لم تصمد المدرسة السلفية التقليدية أمام عاصفة الصحراء ورياحها، فمقولاتها التي قدمتها لأتباعها كانت طوباوية حالمة توقف تاريخها عند القرن السابع الهجري تقريباً، وعلى الرغم من درس جهيمان الذي كلّف السلفية الكثير والكثير، وكان من الممكن أن يكون نقطة تحول في داخل المدرسة السلفية إلا أنها تجاهلت الدرس واعتبرت أن جهيمان مصاب بالهوس وجاهل، وأن المعمار السلفي متكامل ومقدس بقداسة مصادرها الكتاب والسنة، وعندما هبت رياح عاصفة الصحراء، وجدت المدرسة السلفية أنها في مأزق، فلم تعد السلفية قادرة على أن تضبط نفسها من الداخل، وأن تتعامل مع الواقع الذي يتعارض مع مبادئها الأصلية، حدث ما حدث وتصدعت السلفية التقليدية، وأنجبت لنا السلفية الحركية أو ما يُسمى بـ « السرورية» تيمناً بالأب الروحي لها محمد بن سرور، خرجت السرورية من السلفية التقليدية فلم تعد تملك لها مرجعية علمية، أو مؤسسة سياسية، أو مرشد لها، ولم يكن من المتوقع لها أن يكون انتشارها بهذه القوة وهي وليدة وغير منظمة فكيف انتشرت؟!
قامت السرورية أولاً بالتمرد على فكرة العلم قبل العمل، ورأت أن الجميع يستطيع العمل كلن بحسب قدرته، فإذا كنت تعرف المعلوم من الدين بالضرورة فتستطيع أن تصعد على المنبر وتخطب بالناس، وهذه الفكرة أخذتها السرورية من جماعة التبليغ المنتشرة في باكستان والهند، ثم لم تتوقف عند التبليغ فحسب، بل أخذت تستفيد من تجربة إخوان مصر والسودان وماليزيا فتوغلت في داخل المؤسسات وشجعت شبابها على التخصصات العلمية والإنسانية ولم تختزل نفسها على كليات الشريعة فحسب، ومن ثم آمنت بأثر العمل الاجتماعي فعملت فيها بخيلها ورجلها وقدمت كل غال ونفيس في سبيل العمل الاجتماعي وكسب الجماهير، هذه الفكرة الإخوانية الناعمة أكسبت السرورية جماهيرية تعدت القطر، لكن ماذا بعد هذا؟!
الجيل الأول من السرورية لم يعد قادراً على فهم الواقع وتحدياته، ولم يعد الخطاب الأول مقبولاً عند الناس وعند الجيل الثاني منها، حاول الجيل الأول أن يقدم نفس الخطاب مع شيء من التجديد، ولكن التجديد بفهمهم هو تقديم نفس الخطاب عند حافة نهر في تركيا أو إندونيسيا أو عمل مونتاج جميل، أو لبس بدلة فاخرة.
أما الجيل الثاني فهو في مأزق حقيقي، ولم يعد قادراً على مجاوزة هذا المأزق ما دام الجيل الأول ما زال على قيد الحياة ومتمسكاً بأفكاره.
هل سيستطيع الجيل الثاني أن يجدد ويطوره أفكاره؟!
لا أظن ذلك؛ بل ستتصدع كل السلفيات الحركية، وستنتج السلفية التقليدية سلفيات حركية كثيرة ومتشعبة، وسنغرق بتيارات سلفية جديدة قد تكون مسلحة أو متعصبة بأحسن حالاتها، ما لم تتجدد وتتطور السلفية التقليدية، وتعيد تماسكها، وتبتعد عن قضايا هامشية تمحور صراعها عليها، وأن تتقبل الواقع وتفهمه، بفقه يتماشى مع الزمان والمكان.
- عبدالله النغيثر