* مدخل: سئلت ذات مرة عن جدوى إعادة طبع رسائل الماجستير أو الدكتوراه وإصدارها في كتب للعرض والبيع للإفادة من محتوياتها .. ولعلمي بقيمة بعض هذه الرسائل، وأهمية ما يبذل فيها، من جهود مضنية بحثا وجمعاً ودراسة وأسفار، بحثاً عن المصادر المخطوط منها والمطبوع في بعض المكتبات المحلية والعالمية.
فأجبت: بأن ما قد وصلني ويصلني من هذه الرسائل قديماً وحديثاً إهداءً أو شراءً، كان حرياً بالطباعة والقراءة، وقد درج على هذه العادة العديد من أصحاب هذه الرسائل، إسهاماً منهم في نشر ما فيها من علوم نافعة، وخدمة في نهضة الأمة والوطن، بعيداً عن الشهرة أو التكسب، ومنها ما سأتحدث عنه في هذه القراءة.
*****
* بداية: فقد أهدى إلي الزميل الكاتب والصحفي الأستاذ: عطا الله مسفر الجعيد، أحد رجال التربية والتعليم والإعلامي المعروف ورئيس النادي الأدبي الثقافي بالطائف، كتابه «الوطن .. في الشعر السعودي المعاصر» رسالة ما جستير، في (282) صفحة من القطع المتوسط، إصدار نادي الطائف الأدبي عام 1437هـ ، 2016م وهو بحث مكتمل الرؤى والجوانب نال به درجة الماجستير في الأدب والنقد من جامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1422هـ 2001م
*****
* والمعروف أن رسائل الماجستير والدكتوراه تسير في آلياتها التحضيرية على نسق منهجي يحكمه من يشرف على هذه الرسالة من المؤهلين في الدراسات العليا تخصصاً وعلماً، وقد وفق المؤلف في حسن اختيار عنوان الرسالة فكلنا نحب الوطن ونفديه بالغالي والنفيس على الرغم مما ألف في هذا الجانب من رسائل .. إلا أن الوطن ـ أي وطن ـ يظل حقلا خصباً ينبض بالثمار اليانعة، يعشق التجوال فيه كل من تيّمه حب وطنه وتراب أرضه وناسه، فحب الوطن من الإيمان وفي هذا يقول الشعراء الكبار:
وطني لو شغلت بالخلد عن
نازعتني في الخلد نفسي ....
(أحمد شوقي)
وحبب أوطان الرجال اليهمُ
مآرب قضاها الشباب هنالك ....
(ابن الرومي)
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق ....
(أحمد شوقي)
*****
* أبحرت في فصول هذه الرسالة، فوجدتها سلسة الأسلوب، هادفة المدلول استطاع كاتبها أن يجمع بين جنباتها أعذب الشعر الوطني المعاصر في حب الوطن، والولاء لأرضه وناسه، لمشاهير شعراء المملكة العربية السعودية، وبعض شعراء العرب في اختيارٍ حسن وانتقاءٍ جيد، ووطنية صادقة.
*****
* ويؤكد المؤلف في كلمة استهلالية صفحة (17) حبه للوطن الغالي والإخلاص له فداءً وولاءً فيقول «فعلى الحب والإخلاص للوطن عاش العربي وما يزال وفياً لداره»..
«روي أن أبان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة فقال له: يا أبان كيف تركت مكة؟ قال: تركت الأذخر وقد غرق وتركت الثمام وقد خاص، فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: دع القلوب في أماكنها» وهي مقولة مشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تؤكد حبه لموطنه الأول مكة المكرمة ـ حرسها الله ـ.
*****
* خاتمة: يظل حب الوطن روضة غناء، يرتادها من تيّمه حب الوطن والإخلاص له والتفاني في خدمته والتغني بآثاره وأمجاده.
وأختم هذه القراءة ببعض أبيات من قصيدة مشهورة لشاعر مكة المكرمة الراحل طاهر زمخشري، أحد شعراء المملكة البارزين، يتغنى فيها بحبه لمكة وببقاعها الطاهرة صفحة (245) وقد غناها ولحنها الموسيقار الراحل طارق عبد الحكيم رحمه الله.
أهيم بروحي على الرابيه
وعند المطافي وفي المروتين
وأهفو إلى ذكر غاليه
لدى البيت والخيف والاخشبين
فيهدر دمعي بأماقيه
ويجري لظاه على الوجنتين
ويصرخ شوقي بأعماقيه
فأرسل من مقلتي دمعتين
علي خضران القرني - كاتب وأديب سعودي