هاني سالم مسهور
لم يخرج خطاب أمير قطر تميم بن حمد عن ذلك الاضطراب السياسي الذي تعيش فيه بلاده منذ أكثر من عقدين عانت فيها قطر من ازدواجية في المفاهيم لماهية قطر كدولة بجغرافيتها وبما يجب أن تكون عليه، المسألة ليست تقليلاً من حجم قطر بل من مفهوم عميق يتغلغل في الدور السياسي الممكن التعاطي معه في إطار الإقليم الجيوسياسي، وذلك الاضطراب العنيف أدى إلى السلوك القطري الذي لم يستطع إيجاد حلول لمخرج الأزمة التي تعيش فيها قطر منذ الخامس من يونيو 2017م، يمكن تلمس الأزمة في تناقضه حول تأثيرها الاقتصادي، مع إدراك أنه لا يجب المكابرة على حقيقة الأزمة الاقتصادية التي خلفتها مقاطعة أربع دول من انعكاسات.
قد يكون الرد الأبلغ على الخطاب الأول لأمير قطر كان افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية في مصر، الرد كان بليغاً حاملاً رمزيات سياسية وعسكرية جدير بالوقف عندها فليس من المعتاد أن تقام الاحتفالات في افتتاح القواعد العسكرية بهذا الشكل غير أن مقتضيات الأمن القومي العربي فرضت كل ما حملته الذكرى الخامسة والستين من ثورة يوليو 1952م، فالعودة لتذكير قطر وغيرها بمضامين الأمن القومي العربي وصيانته وحمايته أولوية لطالما تقاربت فيها الرياض والقاهرة برغم كل المحطات التاريخية.
في التاريخ العربي تعلمنا أن السعودية ومصر عندما تشدد بهذه الأمة العربية الأزمة يتلحمان مباشرة، ما حدث بعد نكسة 1962م يؤكد النواة الصلبة التي تجمع السعودية ومصر، وهو ما جاء تأكيده مُجدداً حرب أكتوبر 1973م، هذه المحطات التاريخية ترسم ملامح مختلفة مع ما يتم التعاطي معه عاطفياً وإعلامياً فالعلاقات تتجرد عند الاختبارات الصعبة التي تضع القاهرة والرياض عينان في رأس العرب.
بناء عقيدة استراتيجية وسياسية حول هذه العلاقات، ومفهوم العقيدة السياسية هو مفهوم يجري بناؤه وصناعته والاستثمار فيه، على خلاف مفهوم الحتمية الجغرافية والسياسية المحفور في أذهان القادة وصناع القرار والنخبة، الذي يفترض مسبقاً سلامة وصحة العلاقات ولا يشترط التعب عليها والاستثمار فيها والاجتهاد لأجلها، والدعوة إلى بناء «عقيدة سياسية» لهذه العلاقات يناسب أوضاع حقبة عربية مضطربة أصبح فيها الارتقاء بالعلاقات المصرية السعودية ضرورة وليس خيارًا.
موقف الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله من تأثيرات 2011م في مصر كان حاسماً في مستقبل الأمن القومي العربي، لم تخف السعودية والإمارات العربية المتحدة مخاوفها من التأثيرات السلبية للفوضى التي عمت العالم العربي، كان هناك إدراك بدعم إدارة الرئيس أوباما وبرغم ذلك فلقد كان السعوديون ومعهم الإماراتيون يقودون عملية تثبيت الأمن الوطني في مملكة البحرين، وكان يوم 30 يونيو 2013م حاملاً التحول الأكثر قوة في وجه الفوضى المدعومة من قطر باستعادة مصر إلى استقرارها السياسي.
مفهوم الأمن القومي العربي هو الذي غاب عن أمير قطر في خطاب تأخر عن توقيته الطبيعي مسافة سبعة وأربعين يوماً عاشت فيه الدوحة تخبطات عنيفة ليخرج خطاب أميرها مُحبطاً للغاية بعيداً كل البُعد عن الواقعية السياسية التي كان يجب أن يتم استحضارها فالمسألة ليست مكايدة بل مصير دول ومجتمعات أصبحت مهددة بشكل مباشر من استمرار دولة قطر في تمويلها للإرهاب واحتضانها لجماعة الإخوان الإرهابية.