هالة الناصر
يبدو أن أي موهبة حقيقية في الوطن العربي ستجد نفسها في غربة طويلة الأمد تشبه الذي يسكن مدينة لا يعرف لغة أهلها ولا يتماهى مع أطباعها ولا يعرف من عاداتهم وتقاليدهم شيئًا، حالة من العزلة تحاصره أينما ذهب حتى تذبل موهبته وتتلاشى، كم من موهوب خسرته الأمة العربية نتيجة ثقافتها التي تتمحور حول الشكلانيات وتهمل جوهر الأشياء لذلك يفتقد الفرد العربي إحساسه بالمسؤولية تجاه الآخر، بل قد تصل لدرجه أنه يجيز لنفسه محاربة الآخر خوفا على نفسه منه، وهذا ما يفسر بأن كثيراً من الجهات بمجرد أن يذهب منها رأس الهرم تعيش لسنوات موت سريري بعد فراقه لأنه منذ استلام زمام القيادة فيها قام بتفريغها من المبدعين الذين قد يشكلون له تهديدًا كبيرًا على منصبه فيحتفظ ويدعم الأقل موهبة وإنتاجية وهم الذين يحققون له سياسة القطب الواحد بكل أريحية وبدون إزعاج قد يسببه له الموهوبون في حالة أن أحاط نفسه بهم، الإعلامي العربي الموهوب أو الحقيقي يعاني الأمرين وبالذات بعد اختلاط الحابل بالنابل الذي تسببت به وسائل التواصل الاجتماعي والثورة العنكبوتية التي جعلت جميع سكان هذا الكوكب ينافسون الإعلامي الحقيقي على تخصصه الذي أفنى عمره فيه، لم تضر ثورة العالم الرقمي أحد كثر ما أضرت الذي يمتهن الإعلام، أصابته في مقتل، أفلتت حبال كل شيء من يديه، أفاق ذات صباح فوجد الفوضى العارمة تجتاح عالمه الجميل، الكل يستطيع أن يلتقط صوره لتجوب العالم، الكل يستطيع أن يكتب خبرًا تتناقله وكالات الأنباء، ليصبح في غربة مضاعفة ومريرة، الغربة التي كان يعانيها من فهم الثقافة العربية لمهنة الإعلام، والغربة التي أحدثتها ثورة العالم الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، مما أقصاه بعيدًا عن المكان الذي يستحقه، حيث زادت المحسوبيات،
وأصبح أغلب الإعلاميين الذين يحظون بالتقدير والريادة هم الذين خرجوا من رحم المحسوبيات والعلاقات الشخصية المحضة، لم يعد للإعلامي الحقيقي الموهوب أي وجود في أي مكان إلا من رحم ربي، وحتى هذه اللحظة تدفع الأمة ضريبة التفريط بتقديره ومنحه حقه لأنه الوحيد الذي يملك الموهبة الأهم والأخطر بين جميع المهن.