أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: الأستاذةُ الدكتورة زينب بنت محمود الخُضَيْرِي رئيسةُ قسم الفلسفة في كليةِ الآداب بجامعة القاهرة؛ (وليس مِن الرُّشدِ حَذْف تاء التأنيث) مصريةٌ من أرض الكنانةِ رِدْإِ العرب والمسلمين بعد الله: تَمَيَّزتْ بالتأليف والترجمة مِن غيرِ إكثارٍ، ولكنَّ واحداً مِمَّا كَتَبَتْهُ يساوِي ألُوْفاً من الكُتُبِ التي نَفْرَح بها؛ أيْ غيرِ الهلاميَّة؛ ومِمَّا جَمَعَتْ فيه بين التأليفِ والترجمةِ كتابُها الفحْلُ (أثَرُ ابنِ رُشْدٍ في فلسفةِ العصور الوُسْطَى)؛ وهو أُطروْحَتُها لنيلِ الدكتوراه؛ وما أرْخَصَ كثيراً مِن الأُطروحاتِ اليوم؟!.. وكلُّ ما كتبتْه هو قُرَّةُ العين، ولا يَنْقُصُنِي من كُتُبِها إلا قليل؛ ولا أدري هل هي الآن على قيد الحياة، أوْ أنها لَقِيَتْ ربّاً كريماً رحيماً غفوراً.. إلا أنَّ أخي محمود بن محمد جميل الكَسْرَ أخبرني أنها على قيد الحياة.. أسأل الله لي ولها متاعاً حسناً، وبلاغاً إلى خير.. وقد تَقَصَّيْتُ ما كُتِبَ عنها وعن كُتُبها في (الإنترنَتْ)؛ فما رأيتُ أنها أُعْطِيَتْ ولو قليلاً مِمَّا يَسْتَحِقُهُ تكريمُ مُوْهِبَتِها.. وكتابُها عن ابن رشد فرغَتْ مِن تأليفه آخِرَ عام 2009 ميلادِيّْاً، ويقع في (432) صفحة، وقد نَشَرَتْه دارُ التنوير للطباعةِ والنشر عام 2007ميلادِيّْاً، وهو مع عِظَمِ نفاستِه يحتاج إلى تصحيح وتهذيبٍ ومراجعة، وكنت قبل خبرِ الكسْرِ أظُنَّ أنها لو كانتْ على قيد الحياةِ بِصِحَّةٍ وعافِيةٍ لأعادتْ له طبعةً ثانيةً محقَّقَةٍ؛ وأمَّا الآن فأرجو أنْ تُحَقِّقَ هذه الرَّغْبَةَ.
قال أبو عبدالرحمن: وعلى الرُّغْمِ من تَمَلُّكي كُتباً نفيسَةً مما أَلَّفَهُ الرُّشْدِيُّون في أوربا، وتدقيقي في قراءتِها إلا أنَّ كتابَ زينب جَلَبَ لي ما كان شاتّاً؛ فأنا مدين لها في تلخيص ما حَرَّرَتْه عن رُؤيةِ الرُّشْدِيّْيِيْنَ في أوربا تقويماً وتقيِيْماً معاً، ثم ما كتبه بعض المعاصرين مِمَّا يعدُّهم كثيرٌ مِن معاصريهم رُمُوْزاً ثقافيةً وما هم بداكَ من أمثالِ (أركون)؛ وما هم غير مُؤمَّنينَ من قِبلِ المشروع الصهيوني لدى التَّثْقِيف الجنوبيِّ، لتثْقيفِ مَنْ هُمْ جنوبَ البحرِ المتوسِّط، ودعك مِن أن يكونوا رموزاً فكريةً علمية.. وأمَّا ما يَتَعَلَّقُ بفهم كُتبِ ابن رشد في التلفيق بين الشَّرْعِ وأهْواء النَّفْسِ: فهذا لا أَسْتَفْتِي فيه أحداً؛ لأنني قضيتُ ثلاثةَ عقودٍ أَهْتَبِلُ منها بعضَ نشاطي يومَ كان نومُ خمسِ ساعات من أرْبَعٍ وعشرين ساعة يُغْنيني عن مزيدٍ من النوم؛ وقد انقلبتْ الحالُ اليوم (والشكوْى إلى الله)؛ فكان نومي أكثر من يقظتي، وكان نشاطي أقلَّ ما في يقظتي، وقد فتح الله لي كلَّ مُسْتَغْلِقٍ من إلحادِ ابن رشدٍ الحفيد، وما أَجْمَلَ قولَ ابنِ جبيرٍ رحمه الله تعالى:
لِمْ تَلْزَمِ الرُّشْدَ با ابْنَ رُشْدٍ
لَمَّا علا في الزَّمانِ جَدُّك
[المُرادُ بالجدِّ ههنا الحظُّ].
وكنتَ في الدِّين ذا رياءٍ
ما هكذا كان فيه جَدُّك
وقد قال هذين البيتين لما نَكَبَ الخليفةُ أبو يعقوب المنصور الموحِّدي الفيلسوفَ ابن رشد، وأمره بالملازمة في (اليشانة)؛ وهي قرية كانت قبل ذلك مأوى لليهود.. قيل: إنه نُفي إليها؛ ولهذا قيل: (وليس ذلك بصحيح): إنَّ ابنَ رشد مجهولُ النسب بأرض الأندلس، [وأنه] من سلالة بني إسرائيل؛ وذلك لا سَندَ له من الواقع على الإطلاق، وقد شهد ابن جبير والجمهورُ لجده بالتقوى والصلاح وصحة الدين.
قال أبو عبدالرحمن: ومن الجميل أيضاً قولُ سعد الدين التِّفتازاني رحمه الله تعالى:
إذا خاض في بحر التفكُّرِ خاطري
على دُرَّةٍ من معضلاتِ المطالبِ
حقَرتُ ملوكَ الأرض في نيلِ ما حَوَوْا
ونلتُ المنى بالكتْبِ لا بالكتائب
قال أبو عبدالرحمن: ولِما أسْلَفْتُه عن هضْمي تلفيق ابنِ رشد كَثُرَ تَعَقُّبِيْ الدكتورة زينب في تعليقاتها على ما فَهِمَتْهُ من تَفَلْسُفِ ابن رشد: تارةٍ باستيعابٍ مِنِّي، وتارة بإيجاز، وإلى لقاء في السبتِ القادِم إنْ شاء الله تعالى، حيث تكونُ بدايةُ الاستيعاب لفلسفةِ التلفيق، والله المستعان.