د.خالد بن صالح المنيف
البعضُ يمارسُ سلوكًا غير ناضج، يتمثل في كشْف أسراره الخاصة، أو خبراته القديمة غير الجيدة دونما سببٍ!
ومن أجملِ ما قرأتُ مقولة: «مَن عرفَ سرَّكَ عرفَ طريقًا ليخنقَكَ!»
وقديمًا قالوا: «تكلَّم حتى أعرفَكَ»!
إن من علاماتِ العاقل عدم البوح بأسرارِه؛ فكشفُها يعني أنَّ مصيرَكَ أصبح معلَّقًا بمَن أفشيتَ له السِّرَّ!
وجملةٌ من البشر لا يستنكفُ عن استخدام تلك الأسرار كأسلحة غادرةٍ ضدَّكَ عند حدوث أيِّ خلافٍ بينكما!
وأكَّد هذا الفيلسوفُ (تايتس) في جملة قالَها في القرن الأول الميلاديِّ: «إنَّ البشرَ متأهِّبونَ للردِّ على الأذى والجرح أكثرَ من تأهُّبهم للردِّ على الجميل بالجميل؛ لأنَّ الفضلَ دينٌ، أمَّا الانتقام فمتعة»!
والبعض ربما استخدَم أسرارَكَ كوسيلة لابتزازِكَ، وآخرون تنهمِرُ منهُم الأسرارُ كما ينهمرُ المطرُ دون مروءةٍ أو أخلاقٍ!
وهنا تطلُّ بعض الأسئلة برؤوسها!
* ما الذي يجعلُكَ تبوح بأسرارِكَ؟
* لماذا تُضعِفُ نفسَكَ؟
* لماذا تكشِفُ ما سترَه اللهُ؟
* لماذا تُمكِّن مَن حولكَ مِنكَ؟
أيًّا كانت العلاقة، وأيًّا كان الحبُّ، وأيًّا كان الانفعالُ، ومَهما كان الضيقُ، أو الفرح فادفِنْ أسرارَكَ في أعماقِكَ!
فأنت في غنًى عن المشاكل وصداع الرأس!
بإمكانِكَ تعزيزُ الصداقة، وتقويةُ العلاقة دون الاضطرار لكشف تفاصيل حياتِكَ أو إفشاء أسرارِكَ!
وإنْ أفشى لك أحدٌ سرًّا، وأباح مكنونًا فهذا اختيارُه؛ فلا يضغط عليك هذا السلوكُ فتبادله هذا الفعل وتكافِئه سرًّا بسرٍّ!
وكلٌّ يختارُ أسلوبَ حياتِه.
لا تفتح صدرَكَ لكلِّ عابر، ولا تكن كتابًا مفتوحًا للجميع!
في درب الحياة لا تتخلَّ عن حذرِكَ، ولا تتجرَّد مِن تحوُّطِكَ, كن يقِظًا لمظنَّة حدوث أيِّ اضطراب عاطفيٍّ كحسد أو جحود أو نكران أو غمْز أو لمْز!
قال أحدُ الحكماء: «ربما كان أقربُ الأصدقاء هو ألدُّ الأعداء؛ لأنهم يعرفونَ كيف ومتى يضربون! فهم الأعرفُ بنقاط ضعفِكَ التي ساهمْتَ أنت في كشفِها لهُم»!
وفي الجملة، لا تنكشِفْ لأحد، ولا تُظهِر ضعفَكَ لكائن مَن كان؛ فهناك مَن يفرح ويتشفَّى، وربما زادك ألمًا على ألم!
ليس بالضرورة أنْ تقول كلَّ شيء لكلِّ شخص, تعلَّم أنْ تكون في بعض المواقف أقلَّ وضوحًا وأقلَّ حديثًا, اخلط بعض المواقف بشيءٍ من الغموض؛ فالغموضُ - لا شكَّ - أدعى للهيبة والاحترام، بعكس الانكشاف التامِّ للآخرين!
وهذا ما أدركَه رجالُ السياسة؛ فهم يتحفَّظونَ كثيرًا في الحديث؛ لأنهم يُدركونَ أنَّ التحفُّظ معنى من المعاني العميقة للسلطة!