د. محمد بن إبراهيم الملحم
في نتائجنا لاختبارات دراستي تيمز TIMSS وبيرلز PIRLS الدوليتين هناك عدة ملاحظات جديرة بالتأمل ونحن نناقش مسألة الجودة النوعية للتعليم في بلادنا كمكون رئيس للتنمية الاقتصادية:
أولاً: يجب ألا نقلّل من شأن أن هذه النتائج المنخفضة والتي يمكن أن تكون أكثر انخفاضاً في الواقع لو كانت إجراءات تحديد العينة خالية من الثغرات التي أشرت إليها بالمقالة السابقة، لأن هذا يعني أن احتمالية كون مستوانا الحقيقي في ترتيب أقل بكثير مما أظهرته النتائج يمكن أن يضعنا في صف الدول التي تشكو انتشار الأمية، ولست أتشاءم هنا ولكني أقرن هذه النتائج وغياب المؤشرات النوعية الأخرى بالمشاهدة اليومية من ممارسات اجتماعية تقترب من ذلك المستوى.
ثانياً: إن الترتيب شهد انخفاضاً في آخر مشاركة (2015) عن المشاركة التي سبقتها (2011) وهو مؤشر سلبي قاطع لأن النقد الموجه للدراسة في أي حلقة من حلقاتها هو نفسه الموجه لها في الحلقات الأخرى مما يحيد آثار هذا النقد عند مقارنة نتيجة حلقتين ببعضهما، مثل أن تقارن بين أداء شخصين معاقين بمعايير مخصصة لغير المعاقين فخطأ القياس متكرر في الحالتين فيلغي بعضه بعضاً وتصبح مقارنتك بينهما منصفة، وحيث إن الدراسة تجرى كل أربع سنوات فإن هذا الانخفاض يعني أن الممارسات التعليمية والقيادية التي كانت في السنوات الأربع قبل عام 2011 تميّزت بجودة نوعية أفضل من تلك التي في السنوات الأربع التالية والتي مثّلت مخرجاتها نتائج 2015 وهذا النوع من التقييم ينبغي أن يدعو أصحاب القرار (بكل مستوياتهم) إلى تشخيص ما حدث للتعليم في هذه الفترة (بين 2011 و2015) خاصة في ظل تغيّر القيادات والتوجهات التطويرية التي شهدتها وزارة التعليم كل خمس سنوات تقريباً (2005 ، 2010 ، 2015) كما أن هذا التشخيص يمكن أن يساعد أيضاً على تلافي أية انتكاسات يمكن أن تحدث لاحقاً لا سمح الله.
ثالثاً: لوحظ تقدّم الطالبات على الطلاب في كل الاختبارات، وهو بفارق عدد كبير من النقاط وتكرر هذا الأمر في كل من حلقة 2011 وحلقة 2015 ، بل أيضاً رصد في حلقة عام 2007 الأمر الذي يعكس نمطاً سائداً ومستقراً في الفرق بين الممارسات التعليمية والقيادية في مدارس البنات عن تلك التي في مدارس البنين، وهذا الفرق لصالح مدارس البنات، في حين أن قرار دمج المؤسستين اللتين تشرفان على تعليم كل منهما عام 2002 يفترض به أن يستهدف التكامل بينهما (وإن كان الشعور العام السائد أن تعليم البنات سيستفيد من تعليم البنين!) وأعتقد شخصياً أن كلاً منهما يجب أن يستفيد من الآخر، والقرار حكيم جداً من هذا المنطق بالإضافة إلى مبدأ منع الهدر الناتج من تكرر المؤسسات المتماثلة في الوظيفة، ولهذا كله لا بد أن يتساءل كل من يقيم التعليم لدينا ومن يشرفون عليه لماذا هذا الاختلاف الواضح؟ ولماذا لا تفيد مدارس البنين من تجربة مدارس البنات وممارسات المعلمات التربوية وكذلك ممارسات المديرات القيادية! ولعل السؤال الأكبر هنا هو كيف تنظر قيادات وزارة التعليم إلى مدارس البنات؟!
رابعاً: من خلال التحليل التفصيلي لنتائج الدراسات (غير الاختبارات وإنما الاستبانات) لوحظ تدني التجهيزات المخصصة لتعليم العلوم والرياضيات مقارنة بالدول التي حققت نتائج عالية مثل كوريا وسنغافورة وتايبيه مثلاً، حيث الفرق كبير بين تجهيزاتنا وتجهيزاتهم، وإذا علمنا أن هذا الفرق وضحته الدراسة التحليلية لمشاركتنا منذ عام 2007 فإن هذا يضع علامة استفهام كبيرة لماذا لم يتم تلافي هذه الملاحظة الواضحة واليسيرة طوال 11 سنة الماضية في ظل توفر الإمكانات المادية لدينا مقارنة بالدول الأخرى؟
سأواصل في المقالة القادمة هذا التأمل التحليلي لأبرز مؤشر عالمي للجودة النوعية للتعليم أبرز مكونات التنمية الاقتصادية واقتصاد المعرفة.