تركي بن إبراهيم الماضي
إنسان هذا الزمان، لا يستطيع العيش حسب رغباته، بل على حسب ما يريده الآخرون. الآخرون هنا، تشمل قائمة طويلة، أهلك، إخوتك، أبناء العمومة، الأصدقاء، مشاهير شبكات التواصل الاجتماعية، الشركات الكبرى، بمختلف مسمياتها، وتعدد إنتاجها، كل هؤلاء، وغيرهم، يدفعونك دفعاً شديداً، لأن تعيش على حسب الصورة التي يريدونك أن تكون ضمن إطارها اللامع، حتى ولو كنت لا تريدها، أو لا تستطيع تحمّل تكاليفها. مصنع السيارات يريدك أن تشتري سيارة أكبر، وأنت لا تحتاجها، لكن لأن جارك يملك مثلها، ستشتري مثلها، رغبت بذلك، أو أكرهت على ذلك، من بناتك التي لا ترد لهن طلباً! ملابسك، التي تمثِّل ذوقك الذي يخصك، لا يمكن أن تكون أنت من يختارها، ستقلّد ما هو سائد، ولا أعني شكل اللبس، ولكن نوعية القماش، وماركته التجارية، وخط الموضة السائد في هذا العصر!
طريقة تربيتك لأبنائك، اختياراتهم في الحياة، شخصياتهم التي تتشكَّل، كلها تتحدّد من جهات خارج المنزل، وخارج دائرة الوالدين. سيكون الأبناء، أيضاً تابعين لمن هم: أعلى دخلاً، أكثر شهرةً، أشد تأثيراً. قد يكون المتبوع نجماً كروياً، مغنياً، ناشطاً في شبكات التواصل الاجتماعية. كل هؤلاء وغيرهم، من يؤثّر في طريقة وتشكّل شخصية جيل كامل من البنات والأولاد!
لم يعد بالإمكان أن تعيش على حسب ما ترغب، إلا أن تكون شبه معزول اجتماعياً، أو لن تكون سالماً، هانئاً بحياتك، التي اخترت، لأنك ستواجه، كل يوم، كل لحظة، أعداءك الخفيين، قد يكون منهم من هو قريب جداً، ويظنك تعيش في عالم آخر، مات كل من فيه إلا أنت، وبقيت وحدك، إنساناً لا يمثّل إلا نفسه!
لفت نظري وأنا أبحث في تويتر، رسالة صغيرة نشرها حساب «هيئة المشاهير»، لفتاة فقيرة قالت فيها، باللهجة الدارجة: «أنا من عائلة مدري أقول عنها فقيرة أو لا. بيتنا شعبي. كلنا ننام في غرفة واحدة. أكبر سعادتي إذا سويت قهوة. مدري أنا ما أشوف نفسي فقيرة ولا شيء. أحس حياتي عاجبتني، ومرة عادي، ما في شيء أخجل منه، لكن صاحباتي لما زاروني انصدموا من البيت. أنا أشوف حياتي طبيعية، ما أشوف نفسي فقيرة ولا عمري تحلطمت. اللي أبغى أوصله، الإنسان بذي الدنيا لا يتحلطم، ولا يقارن حياته بأحد، أشوف نفسي، وإذا شفت إنسانة على قولتك فقيرة، مالك دخل، يمكن أكون مبسوطة، مو لازم بيتي فلة عشان أكون مبسوطة؟ «. علّق صاحب الحساب على هذه الرسالة: (ودي نحطها في محمية، أخاف تنقرض نوعيتها)!!
التعليق كان صادقاً، وهو يشير إلى المحمية، التي تعزلها عن بقية القطيع، حتى لا تتحول مثلهم!!