د. عبدالرحمن الشلاش
أُقر منهج للتربية الوطنية في مدارس التعليم العام في المملكة العربية السعودية قبل حوالي عشرين عاماً، وتحديداً عام 1997، وكان الهدف الأساس تعزيز الولاء والانتماء لهذا الوطن الذي نعيش فيه وننهل من خيراته، بعد أن لوحظ في ذلك الوقت تأثر بعض الشباب بالجماعات المعادية للوطنية مصطلحاً ومنهجاً، ورؤيتها المتطرفة بأنّ الوطن عبارة عن حفنة من التراب وأن الولاء يجب أن يكون للوطن الإسلامي الكبير بعد أن يتوحد تحت ظل الخلافة، أو الزعامة المنتظرة. كان الهاجس المزعج أن تؤثر تلك المواعظ والخطب المنبرية فتشتت أذهان الأبناء، وتصرفهم عن الإخلاص لبلادهم، وتبعثر أوقاتهم في أحلام مخرفين ربما لا يدركون أنهم في عصر مختلف، هو زمن الدول الوطنية ذات السيادة القانونية والدستورية، في وقت صارت كل دولة تعتز بسيادتها على أراضيها وثقافتها وكل مواطن يسري حبه لوطنه في شرايينه ولا يرضى أن يمس هذا الوطن العزيز عليه قطرة ماء.
بعد مرور عشرين عاماً، ولن أتطرق لتقويم منهج التربية الوطنية لأنه في النهاية وسيلة وليس غاية، أقول بعد مرور هذا الزمن الطويل وضح جلياً أن المشكلة ليست في وجود منهج للتربية الوطنية، ولا في تصميم مجموعة برامج للتوعية بأهمية الوطن، ومكانته وزرع حبه في النفوس، في نظري المشكلة أعمق بكثير فمهما قمنا بدورنا في التربية والإعلام على خير وجه، فهناك المئات وربما الآلاف يهدمون ما يبنى في سنوات بكلمة واحدة. عشرات الخطب من خطباء غير ملتزمين بما تمليه عليهم المسئوليات الوطنية ولا تعنيهم من قريب ولا من بعيد، ووعاظ يدسون السم في العسل وبان خطرهم في الوقت الراهن بشكل أكبر، وتجار دين كشفت الظروف الراهنة الحالية عن وجوههم الحقيقية وولائهم الحقيقي لدول خارجية، لا يحملون لهذه البلاد أي حب. يكفي أنهم هربوا حين تطلبت المهمة الوطنية قيامهم بالواجب والرد على كل من يسيء إليه، وأن ينطقوا على الأقل بكلمة حق، لكنهم فروا تاركين منصاتهم وحساباتهم خوفاً من أن ينكشفوا بصورة أكبر. يحرضون ويدفعون الشباب والجهال إلى المهالك أو صرف الولاء لمن يدعمون الإرهاب، ثم يتوارون عن الأنظار لأنهم ببساطة جهال وخونة ومنافقون همهم في الحياة اقتناص الفرص الثمينة والمربحة.
لا بد من تحييد هذه العوامل ذات الآثار السلبية والتعامل بصرامة مع كل معادٍ لبلاده، ليكون العمل على تعزيز الوطنية بمأمن من أعداء الوطنية، وتكون الوطنية بوضع أفضل في المستقبل القريب.