عروبة المنيف
المبادرون من يتحفوننا بأفكارهم الجديدة الخلاقة التي تساهم في الارتقاء بالبشرية، في ملامسة الجانب الإنساني فينا، في نفخ روح العطاء والنماء.. إنهم دومًا من يتوجب علينا دعمهم، وتشجيعهم، والشد على أيديهم من أجل الاستمرار في الإتيان بالمبادرات التي تتناسب مع الحس الإنساني السليم ومع الإيمان بقدرة الإنسان على الإدراك والفهم ومنطقة الأمور بما يتناسب مع التغيرات الزمانية والمكانية.
وتكتسب أي مبادرة قوتها عندما تصدر من أشخاص يُشهد لهم بالعلم والمعرفة.
كنتُ دومًا، وفي عيد الأضحى تحديدًا، أفكر بمقدار الهدر المالي الذي يحدث في ذلك الموسم نتيجة الإنفاق على شراء الأضاحي، وأكرر بأن إطعام الفقراء كمية بسيطة من اللحم مرة في السنة لن يجدي في تلبية احتياجاتهم الأساسية، ولن يشبعهم من جوعهم على مدار العام.. وإن الجيران والأهل يأكلون اللحم كل يوم، وأعرف العديد من السعوديين ممن أدركوا أن هناك شعوبًا إفريقية بحاجة إلى أكل اللحوم أكثر من مواطنيهم؛ وباتوا يرسلون أضاحيهم لتلك الدول لتوزيعها على الفقراء هناك، على الرغم من أن مبلغ الأضحية النقدي كان سيفك فقر وعوز أسر عدة في تلك البلدان.
إنَّ ما طالب به عضو هيئة كبار العلماء المستشار بالديوان الملكي، الشيخ عبدالله المطلق، من إعادة النظر في الملايين المهدرة سنويًّا من قيمة الأضاحي، وتحديدًا «الأضاحي عن الأموات»، هي من المبادرات الخيِّرة التي ستساهم في إنقاذ أرواح كثيرة من براثن العوز والفقر، ولاسيما أن المبادرة أتت من أحد العلماء المتفقهين؛ فقد أوجز المطلق بأن الأضحية عن الميت ليست من السُّنة في شيء؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يضحِّ عن أمواته، وعن أعز الناس لديه، زوجته خديجة، وعمه حمزة؛ فالأضحية مشروعة فقط عن أهل البيت، لا عن الميت. وحسب تصريح الشيخ المطلق، فالأضاحي عن الأموات قد تصل في السعودية فقط إلى مليون ضحية سنويًّا في موسم العيد على أقل تقدير. ويبلغ حجم الأموال المنفقة على تلك الأضاحي ما لا يقل عن ثمانمائة مليون ريال، تذهب هدرًا، وإنفاق تلك الأموال المهدرة على الأضاحي - حسب المطلق - في أوجه خير أخرى (كصدقة عن الميت) هو أجدى وأفضل؛ لأنه سيفك عوز وكربة الكثيرين؛ فعندنا من يحتاج لسكن أو لزواج أو لعلاج أو لتعليم.. وغيرها من أولويات حياتيه. وتمنى الشيخ المطلق أن تتبنى تلك المبادرة جهات خيرية، وتحظى بإشراف ودعم من وزارة الشؤون الإسلامية في سبيل القضاء على العوز والفقر في السعودية.
وأضيف هنا إلى فكرة إنشاء وقف إسلامي لتحصيل تلك (الصدقات عن الأموات)، ونضيف إليها (الصدقات التي تنفق في رمضان لإفطار صائم)، وإنفاقها لمستحقيها من الفقراء للرفع من مستوى معيشتهم، ويتم تبليغ كل متصدق بأوجه صرف صدقته.
إن السعودية مركز العالم الإسلامي، وتنفيذ تلك المبادرة فيها سيعمل على تعميمها في دول إسلامية أخرى. وندعو الله أن تكون أيام الفقراء كلها أعيادًا، وأيام المتصدقين كلها خيرًا وبركات، فأعظم عوائد الاستثمار هو الاستثمار في الصدقات.