د. زايد الحارثي
إن من الثابت تاريخياً أن من أنبل وأشرف المهن هي مهنة التعليم وقد كان سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسول معلم البشرية وهادي الإنسانية خير قدوة وخير مثال وخير درس يستشهد به في أي إشارة لإعلاء قيمة مهنة المعلم وأهمية دوره في الحياة والتحضر والتمدن. ومن أهم أركان ووظائف ذلك المعلم هي مكارم الأخلاق قدوة بالرسول العربي المربي (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)، وكذلك الحال مع النبيين والرسل. ثم جاءت بعد ذلك الديانات والحضارات المختلفة وعرفت قيمة ودور المعلم في الحياة والنهضة والرفعة وجعلت هذه المهنة في مكان علياً اجتماعياً ومادياً وأخلاقياً وتنظيمياً، وقد أكدت حضارات اليوم والدول المتقدمه الدور والرسالة العظيمة للمعلم في تعليم وتربية النشء اليوم وأصبح المعلم هو محور الارتكاز في العملية التعليمية.
وأصبحت مهنة المعلم من المهن التنافسية الشديدة المرغوبيه لأفراد المجتمع بكافة طبقاته، وشاهدنا ولاحظنا من مخرجات التعليم في هذه الدول المتقدمة أن المخرجات المميزه وجودتها إنما تنسب إلى حد كبير في دور المعلم في هذه النتائج، والمعلم في الدول والبلدان هو في مكانة يغبطه عليها الكثيرين من أفراد المجتمع وشبابه. ذلك لأن حظوة ومكانة المعلم عند الوزير والرئيس والمسؤول وولي الأمر والطالب وأفراد المجتمع محفوظه ومرموقة، وتبعاً لذلك يأتي التأثر والاستقبال ممن يحظي بالاستفادة من وقت هذا المعلم والدراسة على يديه فيكاد تأثير المعلم يفوق تأثير الأب أو غيره ممن لهم سلطة شرعية أو نظامية عليه. بل إن تشبيه دور المعلم ومكانته بدور الرسل ليس فيها مبالغه، بل هي في الواقع أقوى وأنسب المتشابهات والاستشهادات. (قم للمعلم كاد أن يكون رسولاً).
ولم يكون دور المعلم أو التنافس على مهنة التربية والتعليم مرده أسباب مادية صرفه أو أساسية، بل كانت المكانة الاجتماعية والرسمية والمعنوية هي الأساس فيها. وقد سقت هذه المقدّمه بعد ان وصلت إلى قناعة بحثية وميدانية ورسمية وشخصية هي تدني مكانة هذه المهنة مع الأسف الشديد عند بعض الدول وعلى رأسها دولنا في الخليج العربي، وهذ المستوى المتواضع من مكانة هذه المهنة أثر بلا شك على مستوى العمليات التعليمية، ومخرجات التعليم بصفة عامة مما جعل الإقبال على هذه المهنة من الشباب في أدنى مستويات الرغبات المطلوبة وظيفياً. اللهم إلا لمن لا يجد مجال آخر.
ولقد تشرفت بزيارة صديق مسؤول مخلص في إحدى الجامعات الأسبوع الماضي وأبدى لي ضمن حديثه عن كيفية رفع معدلات القبول للطلاب المتقدمين لكليات التربية إيماناً بقدسية وأهمية اختبار المعلمين النموذجين من بين الخريجين من الثانوية العامة!!! ولكنه استدرك قائلاً إن رفع متطلبات القبول لكليات التربية قد يكون فيه مبالغة إلى حد ما، لأنه كما علم من عميد كلية متخصصة بأن أعداد المتقدمين الذين تنطبق عليهم شروط ومعايير القبول لكلية التربية تصل إلى نسب متدنية جداً. وهنا تدخلت مع صديقي وأبلغته - وذلك من خلال خبرتي عميداً سابقاً لكلية تربية - بأن معايير القبول للطلاب المتقدمين لكليات التربية مهما تم خفضها سيضل العدد المتقدم للقبول متدنياً وغير مناسب إطلاقاً لإمكانيات الكلية مادياً وبشرياً ومعنوياً ؟ ولم ينتظر صديقي لإكمال إبداء رأيي، فبادر بالسؤال التقليدي لماذا إذاً هذه النظرة السلبية؟ فرجعت إلى جذور المشكلة وهي أن المهنة أصبحت بكل أسف في ذيل القوائم اجتماعياً ومعنوياً للراغبين للعمل معلمين!!! وهنا لابد أن نقف جميعاً وعلى لسان وقلب وحماس رجل واحد أن نعترف بحقيقة الأمر الواقع من تدني نظرة المجتمع وعدم قناعة المعلمين المنخرطين في هذه المهنة عنها مما يعكس رؤيتي في قلة أعداد المتقدمين لهذه المهنة، وبكل أسف ربما يكون بوسعي القول إن من يذهب للتقدم للقبول في كلية تربية أو غيره إنما يذهب بحكم الضرورة، أو عدم وجود فرص للتقدم في التخصصات المطلوبة والمعززة اجتماعياً. وختمنا أنا وصديقي الحوار بقناعة ضرورة عمل خطة على أعلى مستوى في وزارة التعليم وغيرها من الجهات المختصة المرتبطة، وذلك لعمل برنامج وطني شامل يقتضي تغيير النظرة الاجتماعية لمهنة المعلم، وجعلها تأخذ حقها الطبيعي من النظرة والمكانة إن أردنا أن نجنب أنفسنا وأبنائنا تسليم وإسياد هذه المهنة لمن لايجد وظيفة!!!!