عبدالوهاب الفايز
في القرارات الملكية الأخيرة، التي استهدفت تكملة منظومة الإصلاح والتطوير التي يتبناها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لابد من الوقوف أولاً عند الوفاء الذي تصدر الأوامر الملكية لإنشاء جديد لأمن الدولة، فقد جاءت الإشارة الصريحة في نص الأمر الملكي إلى أن التعديل الجديد هو تنفيذ لما سبق الرفع به من الراحل الكبير الأمير نايف بن عبدالعزيز، -يرحمه الله-.
وهنا، لا نستغرب الوفاء من الملك سلمان الذي حفظ لبيت الحكم ولرموزه الكبار ما يثري ويعظم تاريخهم الوطني، ويعزز مكانتهم في تاريخ بلادنا، وليقدم الدرس على استمرار مبدأ الملك المؤسس عبدالعزيز، -يرحمه الله-، (نبني كما كانت أوائلونا تبني، ونفعل [فوق] ما فعلوا)، فمن يأتي من الملوك إنما يقوم بالدور الأساسي للحاكم، الذي يعمل ضمن مبادئ الحكم ومصالح الدولة، فالغاية هي أن تبقى بلادنا قوية بإنجازاتها وبوحدتها، ولا يهم من أنجز ومن بنى، المهم حفظ الحق الوطني والأخلاقي للمبادرين الذين يجتهدون فيما يرونه في صالح الحكومة ويخدم الناس، وقد رأينا نموذج الوفاء من الملك سلمان يتجدد مع الملك فيصل، عندما وجه بتسمية المجمع السكني في مكة بـ(الفيصلية) بدل السلمانية، وذلك وفاءً وتقديرا لما قام به الملك الراحل فيصل لخدمة مكة المكرمة.
في القرارات الملكية الأخيرة لهيكلة مؤسسات الأمن الداخلي خطوة مهمة لرفع كفاءة العمل الحكومي في شقه الأمني، وهذا يواكب التطورات التي تحتاجها بلادنا لأجل تعزيز قوة وتماسك الجبهة الداخلية، وأيضاً لأجل تمكين القطاعات الأمنية من القيام بأدوارها ومهامها بصورة (أكثر مهنية واحترافية) عبر تركيز الأدوار وتعميقها، وبالتأكيد هذا ما أراده وكان يتطلع إليه الأمير نايف، فوزارة الداخلية توسعت في دورها التنموي، في شقيه الإنساني والاجتماعي، وربما كان الأمير نايف يخشى تأثر دورها الأساسي لحفظ الأمن وإنفاذ الأنظمة.
القرارات الأخيرة سوف تساعد الوزارة على تركيز جهودها لرفع كفاءة أجهزة الأمن العام، بالذات الشرطة، فهذه بحاجه إلى مشروع للتطوير يستهدف الاستمرار في رفع تأهيل وتدريب القوى العاملة. فمهمة رجل الأمن الآن ومستقبلا تتطلب أن يكون أكثر قرباً من الناس لفهم كيف تتطور مشاكلهم وخلافاتهم، وأيضاً تتطلب أن يكون أكثر علماً وثقافة بواقع تطور الأنظمة التي تحكم العلاقة بين الناس ورجل الأمن، فلكلا الطرفين حقوق وواجبات تقرها الأنظمة المنبثقة من النظام الأساسي للحكم، ومن المواثيق والمعاهدات الدولية التي تلتزم بها المملكة، وأيضاً تنطلق من أخلاقياتنا وأعرافنا التي جمعتنا تحت مظلة الوحدة الوطنية، وواجب الشرطة أولاً (حماية كرامات) الناس.
وهذا ضروري لأن لدينا جيلاً شاباً يقبل على الوظيفة الأمنية، وهؤلاء هم ذخرنا وأملنا الذي نرجوه لأجل حفظ الأمن والسلام الاجتماعي، وهذا الجيل الذي سوف يقود المؤسسة الأمنية لديه احتياجات أساسية مثل تنمية (الثقافة الحقوقية)، وأيضاً احتياجات التأهيل والتدريب، وكل هذه تتطلب الوقت والجهد الكبيرين من قيادات وزارة الداخلية،
أيضاً وزارة الداخلية نتمنى أن تجد الوقت لمواجهة تحديين كبيرين هما مكافحة المخدرات ومكافحة إصابات وتلفيات حوادث المرور المخيفة. في مجال المخدرات حققنا إنجازات كبيرة في السنوات الماضية ووزارة الداخلية عملت على عدة جبهات، أمنية واجتماعية وإنسانية، لمواجهة حرب عصابات المخدرات على مجتمعنا، والحمد الله أن الانجازات مشرفة لوزارة الداخلية. ولكن على جبهة المرور لم تستطع الوزارة الإنجاز الذي نتطلع إليه جميعاً، لأنها وحدها لن تحقق الإنجاز لحفظ حوادث المرور، ولهذا السبب أقر مجلس الوزراء (الإستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية) قبل ثلاث سنوات، وهي الآلية الواقعية لمواجهة الحالة المرورية المتدهورة والخطيرة التي تستنزفنا بشرياً واجتماعياً ومادياً.
ربما تواصل وزارة الداخلية مسيرة التطوير باتخاذ خطوة سبق العمل بها، وهي دمج العمل الميداني للمرور مع الشرطة، وتحويل الإدارة العامة للمرور إلى هيئة وطنية مستقلة تتولي تنفيذ ومتابعة إستراتيجية السلامة المرورية، بعد تقلص عمل المرور مع تخصيص التحقيق في الحوادث، ويفترض التوسع في تحويل الأعمال الإدارية المكتبية في قطاع المرور لتوجيه الموارد البشرية في العمل الميداني. أملنا كبير بما لدى سمو وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود، وسوف تثبت لنا الأيام بحول الله حسن ظننا ومدى ثقتنا.