فوزية الجار الله
أتابع معكم الحديث عن رواية «القوقعة»..
لا أخفيكم تعبت وشعرت بمرارة لا توصف حين قرأتها مرة أخرى سريعاً لأجل الكتابة عنها، تبدو مؤلمة جداً وموجعة، عليك أن تكون قارئاً متحمساً متحفزاً للمعرفة كي تحتمل تلك الأحداث والأهوال في ذلك السجن الرهيب..
(يجب ألا أجنّ كان هذا قراري منذ البداية، رغم ذلك كنت أحس أحياناً أنني على حافة الجنون، عندها كنت أغني، لكن بصمت، أغني بذهني ودائماً أغانٍ فرنسية، لم أغنّ أية غنية عربية) هذا ما يقوله الكاتب..
يتحدث الكاتب أيضاً عما يسمى بالبلديات وهي كلمة خاصة بالسجون، وهم جنود سجناء وهم على سبيل المثال: الفارّون من الخدمة العسكرية، الجنود الذين يرتكبون جرائم القتل، السرقة، مدمنو المخدرات، كل الجنود المجرمين يقضون فترة عقوبتهم في السجن مهمتهم التنظيف وتوزيع الطعام وغيره من الأعمال.. هؤلاء لا يهمهم الشأن السياسي لكنهم في السجن لأجل قضاء فترة عقوبتهم وأداء ما يكلفون به من أعمال وهذا يفسر تلك القسوة والصلف الذي يتصفون به عند تعاملهم مع السجناء..
في لقاء مع الكاتب مصطفى خليفة وهو يتحدث حول روايته الواقعية التي تتضمن ما حدث له في سجن تدمر، يقول: (إن الحلم الوحيد للسجين أن يخرج فيه حياً، لأننا كنا معرضين للموت في كل لحظة سواء تحت التعذيب أو نتيجة الأمراض داخل السجن...
وهناك أسباب تفوق الخيال للموت ليس في سوريا فقط إنما - سجن تدمر- لا يوازيه إلا المعتقلات النازية، لا بل قد يتفوق عليها بتحطيمه لمن فيه)..
المعلومة الأخرى الهامة التي يذكرها الكاتب أنه جعل من بطل الرواية مصطفى مسيحي الديانة كنوع من التغريب والمفارقة وهو ما جعل القراء - بما فيهم أنا - يظنون بأن الكاتب مسيحي وحول ذلك يقول الكاتب (في الرواية عملت توليفة بين قصتي وقصة سجين آخر لأنه توجد في ذلك السجن الكثير من المفارقات المشابهة بأن التهمة التي توجه لمسيحي بأنه واحد من الإخوان المسلمين، إلا أن الواقع كان أكثر مرارة، مفارقة غبية تقود بصاحبها للسجن لسنوات يعاني المرارة).
يقول مصطفى (القوقعة تحطمت منذ انطلاق شرارة الثورة الأولى، أما القوقعة التي قبع فيها بلدنا طوال نصف قرن فآمل أنها ستتحطم قريباً)..
ما ذكرته من عبارات وأحداث في المقال السابق وفي هذا المقال لا يمثل أقسى الأحداث، ولا تمثل العبارات التي ذكرتها أقوى العبارات، لكنني حاولت تسليط الضوء عليها وعلى كاتبها فهي رواية تستحق رغم ما فيها من ألم.
وأخيراً أعتذر إن كنت كتبت عن مثل هذه الرواية في أوج هذا الحر اللاهب الذي تعانيه بلادنا وكان بودي لو كانت رواية تبعث البهجة والسعادة والفرح، لكن أنى لنا ذلك وعالمنا اليوم يغلي من شرقه إلى غربه ، والحمد لله أولاً وآخراً على كل حال.