يوسف المحيميد
كتبت مرارًا أن أكثر ما يؤرق الدول هو تزايد معدلات البطالة فيها، ليست مشكلة أن يعمل الشخص في غير تخصصه، أو أقل من مؤهلاته، لكن المشكلة الحقيقية أن يهدر سنوات عمره بعد الجامعة من غير عمل ولا وظيفة، وبالتالي لا يستطيع أن يبني بيتًا، ويكوّن أسرة، ليكون بذلك ضرب المجتمع في عمقه، فإن نصرف على هؤلاء في مراحل تعليمهم، ثم لا نستفيد من طاقاتهم وقدراتهم، يعني أننا خسرنا مرتين، مرة بالصرف على تعليمهم ما يقارب ستة عشر عامًا، ومرة أخرى بعدم الاستفادة منهم، واستقدام غيرهم من خارج البلاد!
إن هذه الطاقات الشابة من خريجي بعض التخصصات، سواء على مستوى الرجل أو المرأة، يعانون من البطالة منذ سنوات طويلة، دون أن تُعالج أمورهم، فلا تم توظيفهم في مجالاتهم، ولا في غير مجالاتهم، ولا تم اقتراح تغيير مسار تخصصاتهم حسب احتياجات الحكومة أو السوق، فمن غير المنطقي أن نهدر ثروة بشرية مثل هؤلاء الخريجين، دون الاستفادة منهم، خاصة أن اقتصادنا ينمو بشكل متنوع في عدة اتجاهات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، قطاعي الصناعة والسياحة.
ففي تخصصاتهم المتنوعة، ومعظمها تخصصات اجتماعية أدبية، كالتربية الخاصة والتربية الفنية ورياض الأطفال والآداب والجغرافيا والتاريخ واللغة العربية وغيرها، لا يجد الخريج والخريجة وظيفة تناسب مؤهلاته، ومع السنوات تكاثر هؤلاء، ورفعوا معدل البطالة لدينا، فما لم نتحرك بشكل عاجل، ونوجد لهم الوظائف في مجالهم أو غير مجالهم، ونعمل على إحلالهم في مكان ملايين الوافدين، حتى لو في غير مجالاتهم، وحتى لو لم يمتلكوا الخبرة المطلوبة، لأن الخبرة تأتي من ممارسة العمل لعدة أشهر، وهي ليست لغزًا وأحجية، فمعظم شبابنا عندهم القدرة والاستعداد للتعلم والعمل، أو التحرك في تغيير مسار تخصصاتهم بعقد دورات متخصصة لبضعة أشهر، بما يتوافق مع سوق العمل واحتياجاته.
اليوم لم يعد خافيًا على أحد معاناة البعض، فمواقع التواصل الاجتماعي تكشف الكثير من الحالات التي يجب الإسراع في معالجتها، والإنجاز الحقيقي هو إيجاد الحلول لا تكرار الوعود، فقد يمل هؤلاء الشباب ويفقدوا الأمل، وهم عماد هذا الوطن وأكثريته، إذ يشكلون نحو 70 بالمائة من شرائح المجتمع، وكثرتهم وإن كانت تبدو مشكلة في تحقيق متطلباتهم، إلا أنها من جانب آخر نعمة كبيرة، فالأوطان الشابة المتجددة تنهض وتنمو وتزدهر بطاقات الشباب، شريطة ألا تكون هذه الطاقات مهدرة، ويعمل على استغلالها وتوظيفها. إن الهدف الأول الذي يجب تحقيقه بقوة وإرادة هو خفض معدل البطالة، والنهوض بوطن جديد بلا ملف أخضر، وأجزم أننا سننجح عندما نتلف آخر ملف أخضر علاقي!