محمد آل الشيخ
هروب السجناء المتهمين في الكويت قبيل إعلان البت في القضية المعروفة إعلاميا بقضية (العبدلي) الإرهابية، وتورط السفارة الإيرانية بتجنيد أفراد هذه الخلية كما تقول ملابسات القضية، ومن ثم بتهريبهم خارج الكويت إلى إيران، يشير بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الكيان الفارسي المتأسلم، الذي يجثم على الضفة الأخرى من الخليج العربي، هو مصدر قلاقل وإرهاب وتكوين إجرامي خطير على أمن واستقرار المنطقة. الكويت بالذات كانت تعمل بكل صدق على إبداء حسن النوايا تجاه الجارة إيران، وتجهد بإصرار على ترطيب الأجواء بينهما، ودفع العلاقات الكويتية الإيرانية إلى التحسن والتعامل غير العدائي، غير أن هذا الكيان العدواني والثوري والطائفي المؤدلج لا يمكن على ما يبدو استئناسه إلا إذا استطاع الإنسان استئناس الثعابين السمية المتوحشة. إيران لها وجهان وجه دبلوماسي ضعيف، يُظهر الإخاء والمودة في الظاهر، ويدعي أنه يعمل على لَم شمل المسلمين، والبعد عن التفرق والتشتت والعدوانية، وكل ما من شأنه إذكاء الصراعات الطائفية وتأجيجها؛ أما الوجه الآخر فهو الذي يرتبط ارتباطًا قويًا ومباشرًا بالولي الفقيه، الذي يمسك بكل خيوط السلطة في إيران، ويديرها كيفما أراد، والمتمثل في (إيران الثورية)، التي تسعى إلى تصدير الثورة الإيرانية الخمينية، وليست الشيعية، إلى كل المسلمين، بما فيهم المسلمين الشيعة، الذين يختلفون مع نظرية الولي الفقيه الإيرانية. إيران الثورية هذه هي إيران الحقيقية، التي ينتمي إليها الذراع القوي والمسيطر في إيران، وهو (الحرس الثوري).
المتهمون الهاربون في خلية العبدلي ينتمون ليس إلى إيران الدولة التي يرأسها رئيس الجمهورية، وإنما إلى إيران الثورة، التي لديها أهداف ورثتها من تركة الخميني الثورية بعد هلاكه، وهي في كل ممارساتها داخل إيران أو خارجها، لا تكترث برئيس الجمهورية ولا حكومته، ولا بالعلاقات الدبلوماسية البينية بين الدول، بقدر ما يهمها أن تقلب كل المسلمين، وبقوة السلاح، إلى رعايا لنظرية الخميني في قبره. كما أن السلك الدبلوماسي المتمثل في بعثات إيران الدبلوماسية في الخارج، لا علاقة لهم بوزارة الخارجية الإيرانية، إلا من الحيثية الشكلية، أما ارتباطهم الوظيفي والمصدر الذي يتلقون منه التعليمات، فهو (الحرس الثوري)؛ بمعنى أن جواد ظريف وزير خارجية إيران، لا يرأس إلا السفارات التي لا يرى قادة الحرس الثوري أنها لا تهمهم، أما تلك التي يرون أن بالإمكان أن يكون لهم فيها نشاط ثورجي، فإن وزير الخارجية، التابع لحكومة رئيس الجمهورية هو بمثابة الرجل الذي لا يحل ولا يربط.
الكويت بعد هذه (الوقاحة) الإيرانية اتخذت بعض الإجراءات الدبلوماسية، وخفضت ممثلي إيران الدبلوماسيين في الكويت إلى خمسة؛ وكنا نظن أن رد الفعل الكويتي سيكون أقوى مما اتخذ، فإيران لا تعرف في التعاملات بينها وبين الدول الأخرى إلا الحزم والقوة، سيما وأن مثل هذه الإجراءات ستشجعها على التمادي، والمحاولة ثانية، فضلا عن أن تهريب مجرمين مدانين بحكم قضائي يعني أنهم لا يكترثون بسيادة الدول، قدر اكتراثهم بتصدير ثورة الخميني. جريمة تهريب إرهابيين بهذا الشكل الفاضح يؤكد أن سياسة حسن الجوار الذي يروج لها روحاني لا تعدو أن تكون ذراً للرماد في العيون، على أحسن تقدير، أما الحقيقة ومعها القرار، فهي في مكان آخر، هذا إذا أحسن الظن بهذا الرئيس الذي يقولون إنه ينتمي إلى التيار الإصلاحي.
إلى اللقاء