د. خيرية السقاف
الأزمةُ من العُسرِ، ولكلِّ عُسرٍ يسرٌ..
وكما تفرج النوافذ بعد إغلاق، وتَأتي الأسبابُ بعد غياب..
فإنّ تجربة الإنسان مع أزماته أنه ينال يسراً بعدها، مهما طال مكوثها، وشمّرت عن أنيابها..
ونوالُ التيسيرِ بحل الأزمات مقرون بالعمل، إرادة، وعزماً، واتخاذَ خطواتٍ، والشروع في تفكيكها..
فمن يتعثّر ويحاول الاستقامة يتيسّر له السير،
ومن يضيق به الفهمُ، يُدركه بعد التعلُّم، والوعي..
ومن تكدِّره الفاقة، ويوهنه المرض، ويضوِّره الجوع، وتحل به نكباتٌ تفزعه، وخيبات تكسره، كأن يُبتلى في ذاته، أو ماله، أو أحبائه، أو معاشه، تنفرج كربته بسعي ينال منه مالاً، وبتطبُّبٍ يبلغ به شفاءً، وبصفحٍ يعود به جافٍ، وبصبرٍ تتطهر به غمّته، وتعلو به همته..
كلُّ ما يؤلم الإنسان يؤزِّمه...
وكلما تأزم وتفكَّر، وبذل، وتلافى، وعمل، وتجاوز، وصبر، وسعى، صادقاً في كل ذلك مع ذاته، وأسبابه، لا يتقاعس يجد له مخرجاً، تتنفس أزمته، تُحل عقدته، ينفرج عقاله، تنبسط شِراكُه، وينطلق من دائرة عسره الضيقة إلى براح اليسر، وهوائه..
وعندما يَحلُّ اليسر، ينزل بالمكترب يطوي العسر عنه طيّاً، فيُبرد حرقة العسر التي ألمَّت، ويطفئ نارها التي أضرمت، ويكشف عن بصيرته غمامها التي احتوى..
لكن، لا تنفرج أزمة في تراخٍ، وعدم سعي، أي لا يُبلغ يسرٌ بتواكلٍ وتوانٍ..
فهو حصادٌ ومآلٌ، والخاتمة المنوطة بوعد إلهي.. {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}..
في وجه آخر فإنّ الأزمات السياسية بين الدول هي أيضاً عسرٌ في مجرياتها..
وانبثاقاً فإنّ كل ما يعطل مسار الدول فيقلق أمنها، واستقرارها، ويربك علاقاتها، ويغلق سبل اتفاقها، وتفاهمها، وائتلافها، ويعمِّق خلافها، ويستفز سلامها، هو عسر مضاعف، معقّد، فارط، ملهمٌ للتصاعد في الأزمات بينها، وحلول مآلاتها المظلمة..
غير أنّ هذا العسر أيضاً له موعد مع اليسر ..
مرتَقَبٌ بالحكمة، منوط بالمعايير، حصادٌ للعدالة، مقيدٌ بالحقوق، فاصلٌ بالحدود..
إنه الناموس، ناموس التكوين، سرُّ الله تعالى في كائناته، وأكوانه،
تيسير العسير..، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}..
وفي كل حالات العسر باختلاف مفرداته، ومجالاته، وأشكاله، وآثاره، ومن يقع فيه، وما يلمُّ به،
فإنّ الإنسان هو محوره الرئيس..
والإنسان هذا إن يُشحِذُ الرغبة في انفراج ملمَّته بتيسير ردم صدعه، وتذويب جليده وثلجه، ويسرِجُ خيل العمل بالأسباب نحو البرء منه، ويطرق الأبوابَ ما صعبت مفاتيحها، ويجدُّ في استشراف الجواب، فإنه سيُلهَم الخلاص منه، بعون الله تعالى، وعنايته، وتوفيقه الميسر كلَّ عسير.