د. حسن بن فهد الهويمل
والإعلام العربي في ظل هذه الفوضى، لا يمكن أن يكون سليماً من دخن التغرير والانزلاق.
أمتنا العربية غارقة إلى الأذقان في تلك الدَّوَّامات الفوضوية، التي صنعها الأذكياء الماكرون، وصدقها الضعفاء المغفلون. وواجب من به بقية من ذكاء، وزكاء أن يتحقق، ويتثبت، للخلوص من موبقات الافتراء.
و(الرأي الحصيف) ليس حكراً على القول، بل هو: التفكير الجاد، والتدبير المحكم، والتقويم السليم، والتقدير الدقيق، والمقاربة الذكية.
(الرأي الحصيف) لا يكون شيئاً مذكوراً حتى يُتَرْجم على أرض الواقع فِعلاً يحسم التردد.
وشتان بين القول، والفعل، لقد مَلَلنا من السماع، حتى صار منَّا من هو أذن شرٍّ لا أذن خير. فدعونا نرى، ونلمس الفعل، المتشكل من تبصرنا في الأمور، لا من سماعنا الأبله.
لدينا مثمنات: حسية، ومعنوية، ومواقف نعتقد أنها الأفضل، إزاء كل الأبعاد: القومية، والإسلامية، والعالمية.
نحن (مُسْلِمون) ليس بالادعاء. ولكن بالفعل، والقول. الأدعياء يرفعون شعار الإسلام، ولكن مع وقف التنفيذ.
جاء المصلح المظلوم (ابن عبد الوهاب) وطرح مشروعه السلفي، مُجدِّداً للناس أمر دينهم، على هَدْيٍ من الكتاب، وصحيح السنّة.
نافياً للمذهبية، والطائفية، وملتمساً ما عليه (محمد وأصحابه). وظلت السلفية إلى يومنا هذا شوكة في حلوق المتعصبين.
وسلفيتنا نمارسها في بيوتنا، وأسواقنا، ومدارسنا. إذاً حين نرفع شعار الإسلام، لا نرفعه ادعاء، ولا شعارات فارغة.
ونحن (آمنون). و(مؤمنون) بكل ما تعنيه تلك الكلمات: (إيمان) لا تشوبه ضلالات الطوائف، ولا خرافات التصوف، ولا رهانات الأحزاب.
و(أمن) بكل أنواعه: أمن على الأنفس، والأموال، والأعراض، والعقول، والأفكار.
هذه حقائق لا ادِّعاءات، وواقع لا أمنيات، يجب الذب عنها، والمحافظة عليها.
وكل ما يدعيه المغرضون من مذهبية ضيقة، أو تصنيف مُشَتِّت، أو تطرف مخيف، إن هو إلا افتراء، وتضليل.
وحين نكون أمةً وسطاً. ونحن كائنون - إن شاء الله - : قولاً، وعملاً. كيف نواجه هذا الطفح الإعلامي المغرض، الذي جُنِّد له آلاف العملاء؟.
وكيف نتعامل معه، لنظل في ربوة تعصمنا من مائه الآسن؟.
ذلك هو الخيار الأصعب.
قد يستخف الجهلة، والمتسرعون بالأمر. وهذا الاستخفاف أردى الأكثرين، وأضلهم.
وكيف لا نأخذ حِذْرنا من هذا الإعلام المنظم، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر منه حين قال :-
(أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسانِ).
وفي حديث مشابه :-
(إِنّ الله يُبْغِضُ البليغَ من الرِّجالِ الذي يَتَخَلَّلُ بِلسانِهِ كَمَا تَفْعلُ البَاقِرَةُ بِلِسَانِها).
وهل أحد يشك أن هذا الإعلام الموجّه يتصدّره: منافق عليم اللسان. وبليغ يتخلّل بلسانه كالبقرة، ومولعٌ بالمِراء؟.
ولا يستبين ذلك إلا متابع لا هياب، ومُقَوِّمٌ لا يُخْدَع.
الكثير منا لا يفرق بين (الفوضى السياسية) و(الصراع السياسي) ومن ثم يقع في أحابيل التناقض.
عالمنا العربي المُعَمَّى عليه تجاوز الصراع الأزلي، إلى الفوضى المصنوعة على أعين اللاعبين. وهذا من باب (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا).
(الصراع) يفصل بين الحق، والباطل. و(الفوضى) تخلط العذب الفرات بالملح الأجاج.
و(الصراع) لا يُعَد من الفتن الواجب تحاميها. أما الفوضى فإحدى مقدماتها.
(الصراع) حتم، وعلينا ترويض أنفسنا، وتهيئتها بالصبر، والمصابرة.
والنجاة في تقويم ما نحن عليه، لا فيما يقال عنا، أو يقال لنا، وفيما إذا عرفنا أننا نواجه حرباً إعلامية منظمة، جُنِّد لها آلاف المرتزقة، وشُراة الرذيلة.
ومن الحصانة، والرزانة ألَّا ندعو للمواجهة بالمثل، وألَّا نطالب بالتصدي للإعلام المزور بمثله.
مهمتنا في تحصين لحمتين :-
- اللحمة الوطنية.
- واللحمة الفكرية.
وسبيل ذلك : الثقة بالنفس. والاعتصام بحبل الله، ونبذ الفرقة. ومعرفة الذات. وترك المراء وإن كنا محقين. وتصور الأشياء على ما هي عليه. والنظر في القضايا، وسياقاتها.