أ.د.عثمان بن صالح العامر
خلاف ما يعتقده البعض من الكتّاب المندسّين والمحللين السياسيين والمنظّرين المؤدلجين -عرباً كانوا أو عجماً-، ويروّجون له بين الفينة والأخرى من أننا نعيش في مملكة «محافظة» لا تقبل التغيير، وليس لها قدم صدق في البناء والتطوير، سواء في أنظمة مؤسساتها الحكومية أو لوائحها التنفيذية أو خططها المستقبلية أو مناهجها التعليمية أو... إذ ما زالت مفاهيم القبيلة وحياة البداوة جاثمة على صدور شعبها البسيط في علمه وتفكيره، المحدود في مهاراته وتدبيره!!!، وهؤلاء جزماً لم يقرؤوا التاريخ، أو أنهم عن عمد يتجاهلون الحقائق ويغضون الطرف عن صفحاتنا السعودية التي أبدع في نسج خيوطها وتراص لبناتها قيادتنا الحكيمة وشعبنا الوفي.
إن الباحث المنصف السابر للواقع منذ عهد المؤسِّس جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته- إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -أمدّ الله في عمره وحفظه ورعاه-، سيجد أن من بين خصوصيات وطننا المعطاء التي قلّما يجدها في بلدان العالم الثالث أنه وطن لا يعاني من «إشكالية الشرعية»، فهي ثابتة لولاة أمرنا «آل سعود» منذ الدولة السعودية الأولى وحتى اليوم بالبيعة الشعبية المشهودة ذات الصيغة الشرعية المعروفة والمتواترة عبر عهود الإسلام المتتابعة كما هو معروف، كما أن هذه الدولة المباركة ليس لديها «أزمة مرجعية» مثلما هو حال دول عدة ما زالت تتخبط في البحث عن مضامين لسلطتها التشريعية تحكم بها وتسوس البلاد والعباد.
ومن خصائص نظامنا السياسي أنه لم يقفز على الواقع بمثالية طاغية، ولا هو يقف على أرضية هشة وبنْية ضعيفة، ولا يؤمن بحرق المراحل وصولاً لما يروج له من نظم وردية مخادعة سوّق لها الكثير من المفكرين والساسة الغربيين، وتمناها بعض المثقفين وكتّابنا المعاصرين يوماً ما وما زالوا، وإنما جاء نظامنا السياسي مستنداً على الكتاب والسنّة، ملبياً لاحتياجاتنا الفعلية، منسجماً مع نسيجنا الاجتماعي وطبيعتنا المحلية، وهذا ما جعله - مع رسوخ منطلقاته وثبات مرجعياته - متطوراً ومتغيراً بشكل مدروس ومتدرجـ جراء ما يتمتع به من مرونة نظرية وتطبيقية تسمح للسلطات الثلاث « التشريعية والقضائية والتنفيذية»، أن تتواكب في خطواتها التنظيمية وسياساتها الداخلية مع ما يستجد من حال، وما يطرأ من تغير وتبدل حادث في مجتمعنا المحلي ومحيطنا العربي والعالمي.
وعلى ضوء رؤية 2030 كان لزاماً على صُناع القرار التحرك في دائرة الخطوط العريضة للرؤية، وبناءً على ما استجد من ظروف عالمية وتغيرات داخلية، أثرت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إيقاع مسارنا التنموي والأمني والحياتي، فكان الدمج والإلغاء والتأسيس، ومن هذا الباب ونتيجة لأهمية الشأن الأمني في ظل حربنا المفتوحة مع الإرهاب - العقدي والفكري والتقني والسياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي و... - من جهة، وفي مواجهتنا لتجار المخدرات ومروجيها المفسدين في الأرض الساعين للدمار من جهة أخرى و... جاء الأمر الملكي الكريم القاضي بإنشاء (رئاسة أمن الدولة) وربطها برئيس مجلس الوزراء مباشرة، كما صدر قبل ذلك الأمر الملكي الكريم القاضي بتحويل» هيئة التحقيق والادعاء العام» إلى « النيابة العامة» وجعل تبعيتها للملك مباشرة، مع ضمان استقلاليتها تماشياً مع القواعد المتبعة في معظم دول العالم، وتحقيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات.
إنّ بلادنا الغالية تشهد اليوم، في ظل قيادة وتوجيه ومتابعة ودعم ومباركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، قفزات تنظيمية وخطوات تطويرية إدارية وتنموية، تؤكد الوعي التام من لدن ولاة أمرنا - حفظهم الله ووفقهم لكل خير - بمعطيات الواقع وظروف المرحلة، وتبرهن بما لا يدع مجالاً للشك أننا دولة مؤسسات ستبقى طويلاً بإذن الله رغم أنوف الحاقدين وكيد الحاسدين وتحركات المفسدين الأشرار، مع وجوب الاحتفاظ بالاعتراف الجمعي لما لقيادتنا الفذة ذات العزم والحزم الفردي، ممثلة بخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -وفقهما الله-، من دور أساس في تعزيز الوجود المؤسساتي في بناء دولتنا التنظيمية في عالم متجدد ومتسارع بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. ودمت عزيزاً يا وطني، إلى لقاء والسلام.