محمد عبد الله الحمدان
لقد فجع أهله ومحبّوه وزملاؤه وغيرهم بوفاته المفاجئة، وإنه لخسارة كبيرة للعلم والتراث والأدب، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جنّاته، وألهم أهله وذويه الصبر، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وُلد رحمه الله في ليلة القدر (ليلة 27) وتوفي أيضاً في ليلة القدر (ليلة 27)( ).
عرفت أبا محمد شابّاً نشيطاً مثابراً على دراسته، باراً بوالديه يوم كنّا جيرة في حيّ عليشة بمدينة الرياض مع أخويه عمر ومحمد.
ثم فرقتنا الأيام والمساكن والديار، فكل منّا سَلَكَ سبيله الذي قدر له، وفوجئت به يوماً يتصل بي ليزورني ويزور (مكتبة قيس للكتب والجرائد القديمة)، فجاء متأبطاً (خيراً) كتابه: (العمارة التقليدية بمنطقة نجد) وزودني بصورة منه، ثم طلب مني أن يطّلع على كتب الشعر العامّي والتراث الشعبي، وهي عندي في رفّ طويل وعددها (236)، وكنت استعرضتها وغيرها في كتابي (معجم المطبوع من دواوين الشعر العامي القديمة) الذي أشار به عليّ فضيلة الشيخ محمد بن ناصر العبودي وكتب تقديماً له، وكان الشيخ العبودي يطّلع على بعض دواوين هذا النوع من الشعر ليستفيد منه في اللهجات وغيرها.
فكان أ.د.م. مساعد يختار منها عدّة دواوين ويأخذها معه لبيته ويختار منها ما يشاء مما يوافق منهجه وبحوثه، ثم يعيدها ويأخذ غيرها حسب الفهرس المرتّب هجائياً (وهكذا دواليك).
ومرّة اصطحب معه ابنه عبدالله وفقه الله، ثم انقطع عن المجيء والاتصال عدّة أشهر، فجاء شهر رمضان وأجّلت الاتصال به للاطمئنان على صحّته حتى بعد عيد الفطر.
ولكن جاء الخبر بوفاته وانتقاله إلى رحمة الله.
كتابه يدلّ عليه عنوانه ((العمارة التقليدية (عمارة الطين) بمنطقة نجد من خلال الأدب الشعبي)).
والدكتور –رحمه الله- في قسم العمارة وعلوم البناء / كلّية العمارة والتخطيط / جامعة الملك سعود.
وله مقالات وبحوث، ذكر منها في كتابه اثنين:
1- شواهد العمارة التقليدية في الأمثال الشعبية في منطقة نجد، نشر في مجلّة دارة الملك عبدالعزيز 1411هـ.
2- دراسة البيئات العمرانية التقليدية من خلال الشعر العامّي بمنطقة نجد، نشر في مجلة الملك سعود / كلّية العمارة والتخطيط 1427هـ.
وله اطّلاع واسع على دواوين الشعر العامّي، وإجادة تامّة للهجة النجدية، يدل على ذلك ما جاء في هوامش كتابه، وهو ذوّاقة للشعر والنثر الفصيح واللغة العربية وله اهتمامات رائدة في هذا الشأن.
وقد نقل من بعض دواوين الشعر العامي مقطوعات وشرحها شرحاً جيّداً يدل على إجادته للهجة، فمن ذلك للشاعر إبراهيم بن عبدالله بن جعيثن (سدير)، في قوله:
أدخلت ريال في داري
واوذاني من كثر صياحه
يبي يظهر وانا اردّه
والباب أخفينا مفتاحه
سكّرت الكوّه بشماغي
والباحه سدّت بالساحة
حتى الفرجة سدّيناها
بالثوب اللي في مصطاحه
اشوفه يرقا ويحوّل
غدا له في الدار رواحه
نمتْ وظنيت أنه نايم
هقيت أنه في مصباحه
اثره يسبرني ويكذب
يدري ما عندي له راحه
حوّل عجل مع (المثعب)
وهو يدري وين مراحه
(كتّ) البطحا وهو خايف
وإلى التاجر في (تيفاحه)
جبت شهود أنه في الجره
ردّه لي وأعطيك طراحه
وقال الشاعر في رياليه:
ادخلت ريالين عندي
تهاوشوا في السحارة
قالوا هيّا نبي نظهر
ونخلّي الشايب في داره
إن صرنا عنده يوذينا
ما بين دلاله ووجاره
من حرصهن على الطلعة
كسرن القفل ومفتاحه
وإن قال أحد وش
قلنا روحتنا زيارة
نبي مكان يحفظنا
مسيله مسد ومعباره
دونه جدران مبنيّـة
والباب ستاد نجّاره
وتكلّم -رحمه الله- عن سدّ السبعين في سدير، وأورد قصيدة رميزان بن غشام التي مطلعها:
لي ديرة بنخيلها مستظلّة
يشوق تقديم النضا كادودها
ومن أمثالنا العاميّة (صبّت السبعين).
وقد عرّج –رحمه الله- على قصة إبراهيم الصبي (مبيلش) وبيته الذي قال فيه:
لا واحسايف داري اللي غدت قوع
تلاوحوها بالعتل والفواريع
ما نيب عن تصريف داري بممنوع
احطها حيشان والا مرابيع
دار اولين كنّها بيت جربوع
نصف مداخيل ونصف مطاليع
أمّا عبدالمحسن بن ناصر الصالح (من أهل المجمعة وسكن عنيزة) فهو شاعر فكه وذو دعابة، عالج موضوعات كثيرة في شعره بأسلوب فكاهي محبّب.
ومن شدّة إعجاب د. عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر بشعره أن مقدّمته لديوانه جاءت في 60 صفحة!.
أورد المؤلف له بعض الأبيات.
كما ذكر الشاعر إبراهيم بن جعيثن وبئره (قليبه) وشعره فيها (وهو صاحب الريالات التي تقدّم شعره فيها).
وللشاعر أحمد الناصر الأحمد من بريدة (أما أحمد الناصر الشايع فهو من الزلفي) أبيات طريفة أوردها المؤلف نقلاً عن كتاب فهد بن عبدالعزيز بن كليب (الرياض)، منها:
نسيتي المزح بالقبّة ونسيتي لعبنا الطبه
نسيتي الركض بالطابة ليا صار بدارنا شبّه
نسيتي ازعاجنا لأمّك وهي بالحوش منكبّه
نسيتي معلف أم العوف تصفّينه وأنا أكبّه
نسيتي القربة الشنّة وماها البارد نقبّه
نسيتي من كثر ركضك أنا مسمّيك بـ (الدبّه)
نسيتي كحّة المذّن قبل ما يذّن ينبّه
كما أورد المؤلف أبياتاً للشاعر إبراهيم بن محمد السكران في قصره وكذلك الأبيات التالية للشاعر حميدان الشويعر في ابنه مانع:
مانع خيّال في الدكّة وظفر في راس المقصورة
والى صاح صيّاح برا وايق هو وايّا الغندورة
اليمنى فيها فنجال واليسرى فيها البربورة
أقصى ما يبعد للطاية والمطبخ ورده وصدوره
وكان المؤلف يشرح الكلمات والأسماء العاميّة بجودة عالية ويرجع لـ (لسان العرب) وكُتُب الشيخ محمد بن ناصر العبودي وغيرهما من المراجع والمعاجم.
وأورد المؤلف 110 مثل من الأمثال العاميّة المختارة.
مصادر ومراجع الكتاب:
وجاءت محتويات الكتاب في 4 صفحات، والمقدمة في صفحتين.
أما المصادر والمراجع فبلغت 49 باللغة العربية وسبعة باللغة الإنجليزية.
رحم الله الفقيد رحمة واسعة، وجزاه عما بذل خير الجزاء، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
تتمة:
سمعت في مجلس العزاء بيتين للأستاذ الشاعر المؤلف علي بن محمد العيسى، قالهما للتو .. هما (وهو –على فكرة- بينه وبين كلمة (ابن) وقفة نفس):
قل للثقافة في الحداد الأسود غاب الرفيق تجلدي ولتصمدي
هو لا يساعَد بل يساعِد غيره هذا كلام الناس جمعاً فاشهد
(قل للمليحة .... )
وهذا الرجل الشاعر حصلتُ على كتابه (قبيلة آدم) قبل عقود، وله دواوين وكتب في التربية وغيرها، وهو أحد رجالها بل هو ابن بجدتها، وفي مكتبتي من مؤلفاته ودواوينه: ليت شعري / ليت نثري / كلام في زمنه عن التربية والمجتمع، وذكر في أحد كتبه 20 كتاباً له، وبعث لي ولابني أ.د. عبدالله مجموعة من أوراق أودع فيها بعض ما خطّه يراعه من نثر وشعر، ورؤى وأفكار، تضم ما لذّ وطاب، فشكراً له، ولكن: كلّ من لاقيت يشكو (وقته).
ومن تلك:
- هل تأملت هذا الحديث؟
- قال الزمخشري في ذمّ التمذهب.
- مفهوم الصحبة في القرآن الكريم.
- مكبّرات الصوت في المساجد ... هل من ضرورة؟!.
- تخريج الأحاديث ومراجعتها تسبق الحكم عليها.
- من الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبدالوهاب.
- آراء ... نقلاً عن موقع الشيخ سعد الحصيّن.
- نحو منهج نبوي نقي لا صفوي ولا أموي.
- وقفات مع فتاوى القرضاوي.
- قصيدة للشاعر علي، عنوانها: تبسّم .. ولن تندم.
- قصيدة للشاعر علي، عنوانها: هوّنها وتهون (كويتب شويعر).
- قصيدة للشاعر علي، عنوانها: أتح لهاجسك السرور (كويتب شويعر).
- ماكينزي .. ونبض شعر شعبي.
- لولا دعاؤكم.
- قصيدة كوميكون ماكينزي.
- قصيدة أيكما أكبر ... أنت أم وظيفتك؟.
- قصيدة شقراء ... الوشم.
- 9 صفحات تضمّ تغريدات شعرية.
قم للمعلّم وفّه التخذيلا واجعل لكل معاشه تقليلا
زد فوق ذلك أن (تكنسل) خدمة في بند خمسة!! أهو كان كسولاً
- قصيدة ... سيرة بطل.
- قصيدة ... العقل المقفل.
- مواضيع فيسبكيّة تويتريّة.
- يا حادي العيس .. قصيدة.
- معارضة بلسانيّ: مخلص ومخ/لص.
- ثم كومة أوراق مليئة بالنثر.
- وكومة أخرى مليئة بالشعر.
- أربع أوراق فيها بحث عن كتابة (ص) بدل (صلّى الله عليه وسلّم).
والسلام عليكم (وعليهنّ)، يا إخواني –أقصد يا إخوتي- وأخواتي ورحمة الله وبركاته ومغفرته ومرضاته وأزكى وأشرف تحيّاته على الدوام... الخ.