د.سالم الكتبي
نجحت قطر طيلة سنوات طويلة مضت في إخفاء ما تفعله عن الشعوب الخليجية والعربية، ولم تكن هناك سوى فئة نخبوية قليلة لا يكاد صوتها يسمع، تعرف حقيقة السلوك القطري، ولأن سنن الكون تقضي بأن من السهل أن تخدع الناس بعض الوقت ولكن من الصعب أن تنجح في خداعهم طول الوقت، فقد انكشفت ألاعيب القيادة القطرية وفضحت جرائمها على الملأ، وباتت في موقف لا تحسد عليه جراء ما اقترفته من آثام بحق الشعوب العربية، التي يعاني الملايين من أبنائها التشرد والفوضى والصراعات بسبب التحالف المشين بين قطر وتنظيمات الإرهاب، التي تتاجر بالدين وتتدثر بشعارات واهية وتتخذ منها مطية لتحقيق أغراضها الشخصية في الاستيلاء على السلطة السياسية والحكم في العديد من الدول العربية.
يقول سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إن «على قطر القيام بجهد أكبر لتحسين الثقة في ما توقعه وما تنفذه» وقد جاءت هذه التصريحات تعليقاً على سؤال حول الاتفاق الذي تم توقيعه بين دولة قطر والولايات المتحدة حول مكافحة الإرهاب، وفسر سموه ذلك بأن «دولة قطر وقعت اتفاقيتين مع دول مجلس التعاون الخليجي إلا أنها لم تلتزم بهما» وأوضح «بالطبع، نرحب بتوقيع قطر هذه الاتفاقية ولكن أيضا على قطر أن تقوم بجهد مضاعف في تغيير رؤية الكثير من الدول لما تقوم به من إيواء ودعم وتمويل وإبراز أصوات متطرفة وأصوات تدعو للعنف وأصوات تدعو للكراهية» مشيراً سموه إلى أن «هناك رغبة حقيقية من دولنا أن نرى ذلك ولكن مهما كانت رغبتنا لن تتحقق إلا إذا كانت قطر ملتزمة بتغيير هذا المسار».
وهذا المسار يقضي بنبذ الإرهاب، بكل الطرق والأساليب، وهو مسار واضح يضم دولاً قطعت على نفسها عهداً بعدم السماح بأي شكل من أشكال الإرهاب، والباب مفتوح أمام قطر للانضمام إلى هذا التحالف، أما إذا أرادت أن تكون في الجانب الآخر فلن يقال لها سوى «مع السلامة»كما قال سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان.
رؤية دول المقاطعة للأمر تبدو أكثر وضوحاً وصراحة بمراحل من الموقف القطري، القائم على المماطلة والتسويف وخلط المفاهيم واللعب على عامل الوقت، الذي لم يعد في صالح أحد في هذه المنطقة، فنار الإرهاب والفتن تسري وتتمدد كالنار في الهشيم، ولا يصلح معها سوى جهود جادة للقضاء عليها لا الاكتفاء بمحاولة احتوائها ووقف تمددها!!
إحدى أخطر الإشكاليات التي يعانيها النظام العالمي القائم أن هناك توجها سائدا يكتفي بإدارة الأزمات وتدويرها لا البحث عن حلول وتسويات نهائية لها، وهذا التوجه يكاد يصيب الأزمة القطرية الحالية، فالجهود الدولية التي تبذل تعمل في نطاق إطفائي احتوائي، مع تفادي البحث في أسباب الأزمة وجوهرها ومعالجته بشكل نهائي لضمان تحقق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
هذا الأسلوب في التعاطي الدولي مع الأزمة القطرية قد ينتج مزيداً من الفوضى في النظام العالمي، لأن جوهر الأزمة يتعلق بأحد أسباب الاضطراب في هذا النظام، وهو ظاهرة الإرهاب، التي لا ينبغي التساهل معها، ولا يجب التعامل معها كقضايا أخرى معقدة تاريخياً، فموضوع الإرهاب واضح إلى حد ما، من حيث الأسباب التمويلية والسياسية والأيديولوجيـــــة والثقافية، وبالتالي يتوقع من المجتمع الدولي أن يتعامل مع هذه الأسباب بالصرامة والحزم الذي تستحقه.
العالم ليس بحاجة إلى مزيد من القضايا والأزمات المؤجلة، ويكفي ما يعانيه جراء هذا التراكم، ولو أضفنا قضية الإرهاب إلى سلسلة طويلة من القضايا والأزمات المؤجلة فإن هذا سيبعث برسالة خاطئة وسلبية تماماً لتنظيمات الإرهاب ومموليه ورعاته، وهي رسالة تفيد بالتمادي والاستمرار في أنشطتهم الإجرامية!
هل سيكون العالم على استعداد لتحمل فاتورة مزيد من الإرهاب والفوضى في المستقبل؟ هذا ما نحذر منه في أسلوب إدارة الأزمة القطرية دولياً وتدويرها أو تأجيلها أو تجميدها أو تبريدها، سمها ما شئت، فالنتيجة واحدة ومتوقعة، وهي أن أي جهود في اتجاه مغاير للبحث عن حل نهائي لتمويل الإرهاب ورعايته ستكون وبالاً على العالم أجمع.