منذ انقلاب الشيخ حمد على ابيه وقطر تمارس نشاطات عدوانية نشاز لا تنسجم وبعديها الجغرافي والديموغرافي، علاوة على ان هذه الانشطة تعكس جرأة سياسية غير مسبوقة، شواهد ذلك حجم التدخلات والتناقضات التي صنعتها السياسة القطرية هنا وهناك.
اعتقد ان مفهوم الدولة العصرية المسؤولة ما زال غائباً عن اذهان وتصرفات الساسة في قطر، ويبدو ان وفرة المال وتسامح الجيران، جعلهم يتجرؤون ويتمردون على واقعهم الاقليمي ويخرجون عن النسق المعروف بين الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي وينتهجون سياسة غير مسؤولة هي اقرب في ادواتها واهدافها إلى اساليب المنظمات السرية.
المنظمات السرية تلجأ إلى نوع من العمل السري النضالي، السياسي او العسكري او الفكري، والذي يهدف بالدرجة الاولى إلى تغيير واقع سياسي مطبق على أفرادها وفي الاغلب الاعم تكون المظلومية مسوغا ومسوقا لافكار هذه المنظومة وشرعيتها للرواج والعمل واستقطاب الاتباع.
السياسي القطري يعيش في تاريخه الحديث حالة من المظلومية، بدأ بالبحرين وجزيرة حوار، مرورا بدول الجوار وعلى رأسها السعودية، وصولا إلى مصر التي كانت قاب قوسين او ادنى لتدين بالولاء للدوحة وشيوخها قبل ان تعاد إلى وضع ساء قطر وما زال يسوؤها ويؤلمها!.
المال الوفير والشعب القليل جدا في عدده ومساحة تأثيره وغياب مفهوم الدولة المسؤولة تدفع السياسي القطري للتدخل في شؤون الكبار والعبث باستقرارهم وتجييش ماكينته الاعلامية ليصليهم من ناره الحامية كؤوساً من المرارات والضغائن والافتراءات، البعض يرى أن ذلك تم من خلال ضوء اخضر غربي حصن الدوحة سياسياً لتمارس نشازها، وليصبح هذا النشاز هو الصوت المهضوم شعبياً وإقليمياً وعربياً وربما غربياً!.
عدم المسؤولية ونقص الخبرة والخوف من تبعات اللعب بالنار جرأت السياسي القطري ليمارس السياسة بدون موقف واضح وجلي يدفع ثمنه ويضحي لأجله، فالثنائيات المتضادة هي طريقته في التعامل مع الجميع، فهو يدعم السعودية ظاهرياً في حدها الجنوبي، ويقيم علاقات استراتيجية مع الحوثيين، يدعم حماس وفي المقابل يملك علاقات مصيرية مع اسرائيل، يدعو إلى الديموقراطية والتسامح وفي الوقت ذاته يضيق ذرعا بشاعر كابن الذيب صدح برأي ابان الربيع العربي فرأى فيه هذا النظام مساسا بقدسيته وشرعيته قبل وجوده!.
اذا غياب الموقف الواضح، وسياسة اللعب على المتناقضات تؤكد ان مفهوم الدولة المسؤولة كان وما يزال غائبا او مغيبا عن الذهنية السياسية للنظام القطري، وقد يكون ذلك لغياب الرأي العام الداخلي او تغييبه وهو ما يعطي السياسي القطري فسحة في الزمان والمكان لممارسة نزواته النشاز في الداخل والجوار والمحيط كله.
ساسة قطر يمارسون ادواراً بعيدة عن اساليب رجال الدولة، فهم في فسحة من اي التزام يجعلهم اسرى لاعراف ودساتير الانظمة المرعية بين الدول، عوضا عن ذلك فهم يتترسون خلف مشاعر مكبوتة تجعلهم يعيشون ظلامية المنظمات السرية وظلمها واساليبها في الانتقام والتشفي.
نلحظ كذلك أن الاعلام القطري وخصوصا في رموزه المحلية والتي يغلب على ادائها التلقائية والمباشرة، انه اعلام لا يختلف عن رسائل الواتس اب التي كانت منتشرة ابان الاحداث في مصر، بمعنى انه اعلام تديره عواطف اشخاص واحقاد، ومصالح شخصية كانت تتوارى خلف معرفات رمزية واسماء وهمية، واليوم ضُغطت إلى الحد الذي جعلها تزج باعلاميين بسطاء، ليس لديهم الدراية ولا الحجة او الموضوعية التي تمكنهم من اقناع انفسهم قبل الآخرين، وفي النهاية يظلون ادوات يستخدمها النافذون الغرباء الذين يؤثرون ويتأثرون كعادتهم من وراء حجاب.
الاعلام القطري يخاطب الشعوب العربية بلغة واتسية عاطفية ونسي ان هذه الشعوب وحكوماتها تميز الخبيث من الطيب وان اسلوب الاعلام الواتسي لم يعد مجديا في ظل تسارع الاحداث وتغير معطياتها وموازينها ومنها الاعلامية التي افقدت الجزيرة سبقها وريادتها في التأثير والسبق والمصداقية.
الساسة في قطر صنعوا بمالهم الوفير فوضى خلاقة اكتسحت العالم العربي من شرقه إلى غربه، وتسامح الجوار زادهم غياً ونقمة، وعندما قلبت السعودية واشقاؤها لهم ظهر المجن تغير الخطاب الاعلامي القطري وقبلها اسلوب التعاطي والتفكير مع الأزمة، فأصبح القانون الدولي يذكر، والسيادة تحضر وتستحضر، وصلة الارحام تعلن، والمفاوضات والحوار اصبحتا اساسا لحل اي قضية عالقة بين الدول، باختصار خلع الساسة في قطر رداء المنظمة السرية وعادوا إلى لباس الدولة وحشمته، ولكون السياسي القطري لم يتعود بعد على هذا النوع من اللباس كونه اضيق ولكون الاشقاء مازالوا يرونه في ثوبه الفصفاض القديم، فهذا يتطلب منه -اي السياسي القطري -صبرا واحتسابا وقبلهما توبة يعزم فيها على الاقلاع عن ممارساته السابقة وعدم العودة إليها والتمسك بمفهوم الدولة المتحضرة التي تعي حجم مسؤولياتها أمام مواطنها بدءا ثم امام دول العالم قاطبة.
- علي المطوع