عمر إبراهيم الرشيد
تناولت في مقال الاثنين الفائت وبشكل موجز شهادات مؤرخين وكتاب غربيين لتأثير وفضل الحضارة العربية في الأندلس على أوروبا وعلومها وتقدمها لاحقا. وحين أكتب ذلك لا آتي بجديد وإنما لايتوقف أي مجتمع إنساني عن استحضار ماضيه وتاريخه، لا للبكاء على أطلاله ولا للعيش في ظلاله والركون إلى الكسل وترك العمل وإهمال الإنتاج، فالمجتمع الواعي المتحضر يوازن بين الاثنين، فلا الانسلاخ عن الهوية وتقليد الغالب في كل شؤونه يفضي إلى التقدم، ولا التغني بالماضي بدون الاستفادة من عبره ودروسه وأخطائه يفضي إلى مجتمع ودولة يقفان في صف المتقدمين.
والتاريخ إن لم يوظف في قراءة الحاضر واستقراء المستقبل فإنه يصبح مجرد استذكار عاطفي لأمجاد الماضي. هنا سأورد كذلك شهادات كتاب ومؤرخين غربيين عن الحضارة العربية الإسلامية، يقول المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): «لم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم، فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب، فهما مدينان لهم في تمدنهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم، فهم الذين هذبوا بتأثيرهم الخلقي البرابرة الصليبيين! «. أما المستشرق الإنجليزي توماس أرنولد فيقول «كانت العلوم الإسلامية وهي في أوج عظمتها تضيء كما يضيء القمر، فتبدد غياهب الظلام الذي كان يلف أوروبا في القرون الوسطى». ولأختم هذه الشهادات بمقولة عظيمة لعل الكثيرين لايعلم بها وهي للكيميائي والمؤرخ البلجيكي - الأمريكي جورج سارتون اذ يقول «لقد سبق للعرب ان قادوا العالم في مرحلتين طويلتين ظلت الأولى حوالي ألفي عام قبل اليونان وعاشت الثانية طوال أربعة قرون خلال العصور الوسطى، وليس ثمة مايمنع هذه الشعوب من أن تقود العالم مرة أخرى في المستقب القريب أو البعيد!».
وبعد، وتذكيرا بالقراءة الواعية للتاريخ ودورها في قراءة الحاضر واستقراء المستقبل، فان مايمر به العرب تحديدا دون غيرهم من المسلمين، يذكر بزمن دول الطوائف المتأخر في الأندلس والذي أدى لاحقا لانهيار الحضارة العربية سياسيا هناك، مع بقاء تأثيرها الحضاري والعلمي والثقافي الذي امتد كما قلت على الغرب والشرق. تشابه عجيب لمن يتأمل الحالتين وهنا استخلاص العبر لتوظيفها في النهوض والتقدم، دويلات كانت تتصرف على أساس أنها ممالك ودول كبرى، كما هو حاصل اليوم، ما جعل تماثل الحالتين عجيبا حد الضحك المبكي.
موضوع كهذا لايمكن لمقال صغير ان يحيط به انما هي اشارات لذوي الأفهام، والفضل بعد الله للدكتور جاسر الحربش الذي حرك كعادته قوافل التفكير واستثار المفاهيم، فله التحية ولكم الشكر وحمى الله الوطن من كيد وشرور المتربصين به، واعاد للمنكوبين من العرب والمسلمين سلمهم واستقرارهم، وطابت أوقاتكم.