لبنى الخميس
في عام 2010 اعتلى جيف بيزوس منصة حفل التخرج لإحدى أرقى الجامعات في أمريكا جامعة برينستون ليلقى خطاب التخرج ويطعمه بالنصائح والوصايا للخريجين، لوهله قد تعتقد بأن السيد بيزوس المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أمازون التي تقدر قيمتها بعشرات المليارات سوف يتحدث عن إدارة الشركات والثروات أو يقدم بعض النصائح في عالم التجارة الإلكترونية أو ريادة الأعمال كونه أحد أبرز المستفيدين من صعود الإنترنت أواخر التسعينات. لكنه بدأ خطابه بقصة بسيطة ومعبرة تعود أحداثها حينما كان عمره 10 سنوات وتحديداً حين كان جالساً في المقعد الخلفي في رحلة صيفية وجدته في مقعد الراكب الأمامي تدخن بشراهة، ولأنه كان يكره ريحة الدخان ويستاء من بشاعتها، أراد أن يفاجئ جدته ببحث أجراه عن ارتباط كل نفخة تدخين بتقصير عمر الإنسان، وفعلاً بدأ يعد ويحسب لها كل سيجارة ونفخة، وفجأة اقترب منها وقال: هل تعرفين بأنك قصرت من حياتك 9 سنوات! يقول جيف توقعت بأن يهنئاني جداي على ذكائي ونبوغي في الرياضيات والحساب، لكن حدث ما لم يكن متوقع، فجأة انفجرت جدته بالبكاء مما اضطر جده الذي كان يقود المركبة أن يوقف السيارة على جانب الطريق ليهدئ زوجته ويعطي حفيده درساً لم ينسه إلى الأبد. يقول جف نظر لي جدي وبعد بعض الصمت قال لي بهدوء: «ستفهم يوماً أن التحلي باللطف أصعب من التحلي بالذكاء».
كثير منا يقلل من قوة اللطف وأهميته في حياتنا ونفسياتنا قبل الآخرين. اللطف لا يعني الضعف بل القدرة على مشاركة الآخرين جمال القول وقوة الفعل رغم بساطته!
مما لفت نظري في خطاب جيف كذلك هو ما أعقب به القصة المذكورة أعلاه وهو الفرق بين الهبة والخيار.. وكيف نستطيع أن نفرق بينهما لنحقق الأثر الأكبر. حيث إن الذكاء هبة لكن اللطف خيار. الهبات سهلة فهي ممنوحة لك من قبل الله سبحانه في نهاية اليوم، لكن الخيارات تتطلب قراراً واعياً وعميقاً للالتزام والتحلي بها.
فكروا بها جيداً، الحياة هبة، أن تعيشها خيار.. الجسد هبة.. أن تعتني به خيار.. الذكاء هبة.. النجاح خيار.. التعليم هبة.. الثقافة خيار.. الأمومة هبة.. التربية خيار.. الحب هبة.. الوفاء خيار.. أن تولد بجنسية معينة هبة.. أن ترفع اسم هذا الوطن عالياً خفاقاً خيار.