ليس من السهولة مطلقاً أن يمرّ على وطننا خطب جلل مثل انتقال المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- نائب وزير الدفاع السابق، دون أن يكون للمشاعر مساهمة ولو كانت يسيرة للتعبير عن الحزن الذي عم الجميع.
وإنني انتهز الفرصة في هذا المقام الأليم لأتقدّم بأحر التعازي وخالص المواساة لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله-. ولكافة أصحاب السمو الملكي الأمراء أبناء الفقيد، وجميع أفراد الأسرة المالكة الكريمة، سائلاً الله جلت قدرته أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ورضوانه.
لقد كانت أولى محطات الفقيد هي التعلم والدراسة بإحدى المدارس في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وهي مدرسة تقوم بتدريس المقررات الثانوية وإعطاء برنامج خاص لتأهيل الطلبة للالتحاق بالكليات العسكرية، والتحق بعد ذلك بالكلية العسكرية في سان دييغو، وبعدها التحق بكلية الاقتصاد التابعة لجامعة كاليفورنيا.
وبدأت أنشطة الأمير عبدالرحمن في خدمة الدين والمليك والوطن حين عهد إليه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ نائباً لوزير الدفاع ساعداً لأخيه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز-رحمه الله- النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام آنذاك.
وقد استمر في هذه المهم تسعة وعشرين عاماً وعشرة شهور وثلاثة أيام عنْونها بعطاءاته غير المحدودة في بناء قدرات القوات المسلحة السعودية وتعزيزها. وخص جنود الوطن في كل نواحي الوطن بكل مساحات قلبه حباً، فهو يعتبر زيارتهم أوجب الواجبات وأسمى المسؤوليات، وحينما يوصي أبناءه في الميادين مع أخيه الراحل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- أو تشريفه لتدشين الأسلحة وبناء الأساطيل والقواعد والمدن العسكرية، وكذا مقرات الوحدات الميدانية، بالدفاع عن الوطن ومكتسباته، يستبق إحساسه الكلمات، فتستقبل معانيه النفوس قبل الحواس، فاستشعار المسؤولية في نفسه الثرية بشمائلها الأصيلة وخصالها النبيلة استشعار يفوق الوصف ويتجاوز مدلول الكلمات، فأمانة المسؤولية في دواخله تفيض عطاء وحرصاً والتزاماً، وقد تعود منه أبناؤه جنود الوطن في مواسم الأعياد أن لا يهدأ له بال إلا حينما يطمئن على أحوالهم ومعايدتهم.
تعلّم الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز الكياسة والحلم وأصول الإدارة وصنع القرار ومتابعة شؤون الدولة والرعية، تعلمها في بيت الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- شأنه شأن إخوانه أبناء المؤسس الذين تعدَّدت مواقعهم في الحياة، وكلهم اختطّ لنفسه موقعاً ومنهجاً في خدمة هذا الوطن وتحقيق تطلعات ولاة الأمر.
ولا ينسى أهالي محافظة وادي الدواسر مسيرة الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز -رحمه الل- الإنسانية في تكفله بإنشاء طريق الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز المؤدي إلى الرحمانية على نحو 40 كيلو مترا شمال وادي الدواسر «ردماً وسفلتة وازدواجاً» في ذلك الموقع الصعب الذي كان يتربص الموت عطشاً بالتائهين في كثبانها الرملية، كما تكفّل بحفر خمس من الآبار الارتوازية شملت «المحمل 1» و «المحمل 2» و «الرحمانية» و «الدسمات» و «قمران». مزودة بكافة وسائل التشغيل من مكائن وآلات متطورة في تحلية المياه للاستهلاك الآدمي في مواقع شحّت فيها المياه العذبة وصعُبت فيه التضاريس. الذي ترجم -يرحمه الله- عزيمته بتدشينها وإشرافه شخصياً على واقعها الفعلي وبتنسيق مباشر مع المشرف على أعمال سموه الخيرية بوادي الدواسر الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن آل مطرف -رحمه الله-.
لقد كان إنجاز فقيدنا الغالي الإنساني من المحفّزات الأساسية لوجود علاقة وثيقة تربط أبناء الوطن بقيادتهم وبرموزهم التاريخية، تقوم على الحب والتقدير والولاء والسمع والطاعة.
** **
- مدير العلاقات العامة والإعلام بتعليم وادي الدواسر