سعود عبدالعزيز الجنيدل
قال تعالى في سورة الأنبياء فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) سورة الأنبياء.
مما جاء في تفسير هذه الآية الكريمة: «ففهمنا سليمان الحكم الأنسب والأوفق في هذه المسألة أو القضية، وذلك لأن داود- كما يقول العلماء. قد اتجه في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب.
أما حكم سليمان فقد تضمن مع العدل البناء والتعمير، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير، وهذا هو العدل الحي الإيجابي في صورته البانية الدافعة، وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء».
هذا الحكم وهذا الفهم الصحيح، وإن كان جاء في سياق قصة دَاوُدَ وسليمان عليهما السلام، إلا أن الفهم والعدل أساسيان لجميع الشعوب في شتى نواحي الحياة، فالفهم والعدل ليسا متعلقين بالقضايا الموجودة في أروقة المحاكم فقط، فكذلك نحن بحاجة دائمة للنظر، والتدقيق في أمورنا الحياتية، وإعطاء تقييم صحيح لكل ما نواجه في دنيانا، لكي نصل للعدل المرضي للجميع.
إذا هذا الفهم الذي أفهمه الله سليمان، مما جعله يقضي بالحكم العادل بين الطرفين، نحتاج له في تقييم ما يواجهنا، متسلحين بالعلم والمعرفة، سائلين الله التوفيق، و إرشادنا للفهم العادل، الذي ننشده في شؤونا المعيشية.
أثناء رصدي لما يقوله عامة الناس، وما يتداولونه في المجالس، تراءى لي أن بعضهم يخطئ تماما في فهم ما يتعرض له، أو فيما يستحقه من خدمات، ورعاية كُفلت له، فلا يرى أن الشخص الذي قدم له للخدمة مقصرا، لسبب سنتعرف عليه لاحقا، وكذلك عند إعجابه بشخص ما، فمعياره في ذلك بعيد كل البعد عن المعايير الأساسية.
ولنأخذ عدة نماذج لتوضيح ذلك.
* سمعت من شخص قريب يمدح طبيبة في أحد المستشفيات الحكومية، و يكيل لها المديح، وسبب ذلك هو الاحتشام في مظهرها.
* في الانتخابات البلدية الماضية، وحين تم التصويت للمرشحين، سألت أكثر من شخص عن سبب ترشيحه للمرشح «فلان» دون غيره،؟ وهل يا ترى قرأ سيرته العلمية؟، وما الخبرة التي لديه في هذا المجال؟، أجاب بأنه لا يعرف، وكل ما يعرفه أنه رجل ملتزم «مطوع».
* عند سماعه لمعلومة ما، من شخص ما «مطوع» فلا يقبل سماع ما يخالفها، حتى لو كانت صحيحة!.
لا يخفى على الحذق وجود التمييز بين عدة أمور، لأن في خلطها لن نستطيع أن نصل للفهم الصحيح، والعدل المنشود، وستضيع حقوق كثير من الناس، ومن هذه الأمور:
- الخدمة المقدمة والعمل الذي يقدم لك هو المعيار للحكم بالرضا من عدمه.
- تدين الشخص ليس مقياسا للحصول على خدمة مرضية، ولا يكون التدين حاجزا ومانعا من انتقاد سوء الخدمة.
- قد تحصل على خدمة وتشخيص بجودة عالية من شخص غير متدين.
- النقد يوجه لكل من يقصر في الخدمة، سواء أكان متدينا أم لا.
وفِي الحقيقة هذا ما ينبغي فعله، ونتعامل على أساسه، فتدين الشخص بينه وبين الله- عز وجل- وهو من سيحاسبه على ذلك، فقوة أيمانه لا نستطيع مكافأته عليها، فالله هو الذي سيجازيه، على ذلك، لأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أما الخدمة المقدمة من قبله، فهي التي تهم، والحصول على خدمة ذات جودة عالية هي ما ينفع الناس، ولهذا جاء في الحديث «أحبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ»، وكذلك قال المصطفى «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه».
فذكر شرطين للزوج الصالح»
- ترضون دينه
- ترضون خلقه.
فربط الأمرين معا، التدين، وحسن الخلق، يدل على أنه قد يوجد شخص متدين، سيّء الخلق، وكذلك يوجد شخص غير متدين فظّ الخلق، والكمال أن يجتمع تدين مع أخلاق حميدة.
دائما يجب الحكم على ما يقدم لك بغض النظر عن من يقدمه، هذا هو الفهم الذي أراه، هذا هو الفهم الذي أطمح لأن يعم شرائح المجتمع، لا يحكم على الشخص من خلال مظهره الخارجي، فيقلل من قيمته أو يعلى شأنه، ولا ننس أن الله لا ينطر لصورنا ولا لأجسامنا، ولكن ينظر لقلوبنا.
ولاننس هذا الدعاء
«اللهم يا مفهم سليمان فهمنا»