فهد بن أحمد الصالح
في العقود الخمسة الماضية تتزايد المطالبة من سنة إلى أخرى بتدوين تاريخ الرياضة والشباب في المملكة العربية السعودية، وضاع -مع الأسف الشديد- الكثير من التاريخ الذي اكتنزته أذهان الرجال الذين لم يجدوا من يستطيع استنطاقهم قبل وفاتهم، سواء بكتابته عنهم أو بتسجيله كتاريخ شفوي مثلما عملت ذلك دارة الملك عبدالعزيز التي وُفّقت في تدوين تاريخ المملكة من أفواه المعايشين والرواة, هذا مع وجود عدد من المهتمين بالرياضة والشباب، وتدوينهم بعض الأحداث، واحتفاظهم ببعض الوثائق والسجلات.. ولكنها جهود شخصية، أصبحت اليوم تمثل لهم ثروة مادية وعينية كبيرة جدًّا، ولكن لا يطلع عليها إلا هم ومعارفهم فقط؛ لأنه إرث تاريخي، بعضه تم شراؤه، ومع الوقت تزداد قيمة ذلك. وقد يسهل على المهتمين الحصول على التاريخ الشبابي والرياضي بعد عام 1370 هجرية. أما ما قبلها فربما إن الاحتفاظ به وتدوين أحداثه شيء صعب المنال، بالرغم من أن تاريخ بعض الأندية قرابة الـ 100 عام أو مع تاريخ التأسيس لهذا البلد الكريم، وتم رصد مناسبة شبابية ورياضية، شرفها المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمة الله عليه- وتداولتها وسائل الإعلام في الأيام الماضية، وفرح بها المعنيون بالرياضة كثيرًا؛ لأنها تمثل تاريخ معشوقتهم حتى وإن اقتصرت على لعبة واحدة أو مناسبة وطنية، كانوا يظنون بعدم وجودها هناك.
هذا آخر ما كنا نطمح إليه كمهتمين بالشباب والرياضة حتى قدم لنا سفر تاريخي مختلف بعنوان (رعاية الشباب في الإسلام) للأستاذ الدكتور والدي وشقيقي الأكبر الشيخ محمد بن أحمد بن صالح الصالح أستاذ الدراسات العليا بجامعات المملكة العربية السعودية ومعاهدها العليا وعضو المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، الذي بدأ الحديث فيه عن معنى الطفولة وأهمية الطفل في الإسلام، واختيار الزوجة لأجل طفل أفضل، ووجوب رعاية الجنين، والتربية في الإسلام، والرفق في تربية الطفل وتأديبه وتهذيبه، وعناية النبي - صلى الله عليه وسلم - بالطفل, وبيان معنى التربية في الكتاب والسنة. وأورد في المبحث الأول أهداف التربية الإسلامية الجسمية والعقلية والروحية والخلقية. وفي البحث الثاني خصائص التربية الإسلامية الربانية والشاملة المتكاملة المتوازنة الإنسانية للفرد والجماعة. والمبحث الثالث: أساليب التربية الإسلامية كالتربية بالقدوة الصالحة والتربية بالنصح والموعظة الحسنة والتربية بالترغيب والترهيب والتربية بضرب المثل وعرض القصص، وأخيرًا التربية بالحوار والإقناع. وفي المبحث الرابع: المؤسسات التربوية ودورها في تحقيق أهداف التربية الإسلامية، والتركيز على دور (الأسرة والمسجد والمدرسة والإعلام).
وفي فصل آخر لمرحلة الشباب تطرق المؤلف إلى أهمية مرحلة الشباب وتحديدها، وأقوال الفقهاء في تحديد مرحلة الشباب، وسمات مرحلة الشباب الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، والحديث عن الشباب في القرآن والسنة، ونماذج من الشباب في صدر الإسلام. واختتم المبحث الرابع بالمشكلات التي تواجه الشباب، مثل مشكلة إشباع الغريزة الجنسية، ومشكلة التعليم، ومشكلة الغزو الثقافي، ومشكلة الفراغ، ومشكلة التطرف الديني. وفي ختام الكتاب تم التطرق في المبحث الرابع إلى معنى رعاية الشباب في اللغة، وتعريفها في الاصطلاح، ورعاية الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- للشباب، وجوانب من رعاية الإسلام الجسمية والصحية والعقلية والروحية للشباب، مع الإشارة إلى أنشطة الشباب سابقًا ولاحقًا. واختتم المبحث الرابع بعرض عن رعاية الشباب في المملكة العربية السعودية، ونبذة تاريخية عنها، وأهداف وسياسات رعاية الشباب في المملكة، ورؤية الرئاسة العامة لرعاية الشباب في برامجها الشبابية، والأنشطة الاجتماعية وأهدافها، ومجالات النشاط الاجتماعي والمعسكرات الشبابية والكشفية وأنشطة بيوت الشباب والرحلات الاستطلاعية وتبادل الوفود وبرامج الخدمة التطوعية، وذلك كله قبل رؤية المملكة 2030 التي ستتضمنها الطبعة الثانية، ثم إضاءة عن الأنشطة المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي.
والختام للمؤلف بقوله: الشباب - بتوفيق الله تعالى - هم سند الأمة، وثروتها في حاضرها وذخرها، وأملها في مستقبلها، إنه رمز القوة والفتوة، ومثال النشاط والحيوية، وهو المرحلة المهمة في عمر الإنسان؛ لأن طاقاته وملكاته فيها تبلغ أقصاها نشاطًا وحزمًا؛ فالنور لا يسطع في المساء كما يسطع في الصباح؛ لأنهم عماد ظهورنا، وثمرات قلوبنا، وفلذات أكبادنا، وبهم نصول كل جليلة.. وإذا كانت كل أمة تسعى لاستثمار طاقات شبابها وتنمية قدراتهم فإن ذلك أوجب الواجبات في الإسلام؛ ذلك أن التنمية في الإطار الإسلامي الصحيح تتجه أول ما تتجه إلى بناء الإنسان المسلم المتميز بدينه وخلقه، المسلم بعلمه ومعرفته، المزود بكل حاجاته الأساسية في توازن كامل بين حاجات الجسد ومتطلبات الروح. ومما لا ريب فيه أن رعاية الشباب مسؤولية المجتمع الذي يعيشون فيه؛ لأن الأمة التي لا تعرف كيف تستفيد من قدرات شبابها، وعجزت عن استثمار طاقاتهم وشغل أوقات فراغهم، إنما تهدر ثروة عظيمة وقطاعًا عريضًا؛ فهم رجال الغد وبناة اليوم وقادة المستقبل.
وأخيرًا, المأمول أن نجد نسخًا من هذا الكتاب في مكتبات الأندية وإدارات الهيئة الرياضية المنتشرة في وطننا الغالي وفي المكتبات العامة والمدارس ومع أساتذة التربية البدنية؛ لنجمع بين الاهتمام بالرياضة والشباب والتاريخ والمنهج المبهج حقًّا.