حزنت وانزعجت كثيرًا لمّا أصيب طفل أحد أقاربي بمرض سرطان الدم (اللوكيميا) - أجارنا الله وإياكم. ومنذ فترة جمعتني بالطفل المصاب -شفاه الله- مناسبة اجتماعية فجلس إلى جواري، وتحدثنا معاً بعيداً عن أجواء حالته وظروفه الصحية. وفجأة سكت، وداهمني بسؤال لم أتوقعه: هل تعلم ما هو سبب مرضي..؟
قلت له: لا، ولكن الحمد لله على كل حال، هذه أقدار الله، والمؤمن مبتلى في كل وقت وحين.
فواصل حديثه قائلاً: كنت في زيارة لعمتي المريضة بالسرطان، وأثناءها كنت مصاباً بزكام تأففت منه للغاية لدرجة أني قلت في نفسي السرطان، ولا الزكام. وأكمل حديثه بألم واضح.. بعد ذلك بعدة أيام أصبت بهذا المرض الخبيث..!.
انتهت قصة هذا الحوار القصير مع قريبي، أسأل الله أن ينزل عليه الشفاء والعافية.
وما أود قوله إنه على حافة الكلمات تمضي المعاني، فبعض الحروف تحمّلها خيراً، وأخرى تحمّلها عناءً. على حافة الكلمات تأتي السعادة، وعلى حافتها أيضاً تفور الأعصاب وتسيل الدموع.
يقول المثل المصري: «الملافظ سعد»، بمعنى أن الإنسان يجب أن يتخير ألفاظه، فاللفظ يمكن أن يبعث السعادة في النفس،.. «اللفظ»، هذا الكائن البسيط يمكن أن يصنع المعجزات، يشفي ويداوي، ويسعد الناس أيضاً.
لننظر .. ماذا يحدث للعاشق إذا سمع كلمة ودودة من حبيبته، الموظف كيف يكون سعيدًا لو امتدح رئيسه عمله، أو حتى قال له «الله يعطيك العافية».
لاحظوا السعادة التي تنتاب الزوجة إذا امتدح الزوج طبخها، الإنسان دائمًا بحاجة إلى التقدير والترحيب من قِبل الآخرين، حتى ولو جاء ذلك عبر كلمة.. مجرد كلمة.
ومهما كانت الحقيقة مؤلمة، فعلى المرء أن يختار الألفاظ المناسبة التي لا تزعج الناس وتنفرهم. يقول الرسول الكريم: «بشّروا ولا تنفروا»، أي خذوا الأمر على جانبه الحسن، فإذا كان في الأمر جانبين، خير وشر، فقدموا التبشير بالخير.
على سبيل المثال عند الحديث عن الموت والحساب، ينبغي الترغيب في الإكثار والاستزادة من العمل الصالح بأن نعدد الجنة ومحاسنها، فذلك أفضل من التذكير بعذاب القبر، والشجاع الأقرع، وأهوال يوم القيامة.
ولكن البعض -للأسف- لا يعترفون بهذه القاعدة الاجتماعية الجميلة التي هي في الأساس «إتيكيت» إسلامي للذين يرمون الدين بالغلظة والتقليدية، بينما الإسلام العظيم دين الذوق واللطف، والمعنى الجميل.
البعض لا يعترفون بأن الألفاظ «سعد»، ويلقون بكلماتهم الغليظة الفَضّة هكذا في وجهك، دون كياسة أو لباقة. بل ولا يهمه إن تسببت كلمته في «عوار» الشخص أو جرح مشاعره وتحطيمه.
وحتى في المرض ينبغي على الطبيب أن يختار الأسلوب المناسب لإخبار مريضه بدائه، فالبعض من الأطباء يقصفون المريض بـ«ستموت بعد ستة أشهر»، أو «لا أمل في شفائك»، وهم بذلك يدمرون أهم عنصر في المرض والصحة، وهو الأمل.
أحد المرضى راجع طبيباً في دولة عربية، وكان الطبيب متدينًا، وبمجرد أن أمسك الطبيب الأشعة الخاصة بالمريض، راح يتمتم: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، «يارب»، فتوهم المريض أن سبب تعبيرات الطبيب مرض خطير يعاني منه، وسقط من لحظته مغشيا عليه، رغم أن الأمر لم يكن بتلك الخطورة.
00 الكلمة الطيبة تبقى طيبة..
وانثروا فيما بينكم الكلام الطيب..
ورشّوا على كلامكم السكّر ليبقى كلامكم حلوًا.
** **
akhtan1@