منذ انطلاقة قناة الجزيرة في منتصف التسعينات الميلادية بالقرن الماضي وهي تعمل على أساس العمل الإعلامي المتقدم والمحترف في مهنية الأداء والتخصص والإتقان في سرد العمل الإعلامي التي تقوم عليه القناة، فاستقطابها لأصحاب المهن الإعلامية المتخصصة في كل المجالات التي تدور في فلكها والمبنية على نسق قنوات وإذاعات شبكة (BBC) (البريطانية) فقد أعطاها المزيد من المهنية وبلسان عربي فصيح. ولنشير في هذه المقدمة البسيطة إلى اختيار مكان إنشاء هذه القناة تحديداً في منطقة الخليج العربي وثقافته المتسامحة لمجتمع تلقائي لم تكن يوماً شعوبه تحت تأثير أي توجهات سياسية دولية أو أفكار مغايرة، إنما هو مجتمع تربى على الثقة والصدق في التعامل فيما بينه وكذلك مع قيادته والنابعة من الدين والقبيلة ذات البعد التاريخي الأصيل. ولا أطيل على القارئ الواعي لمعطيات وأحداث المنطقة في ذاك الوقت قبيل إنشاء قناة (الجزيرة)، وبعد صراع (إيراني عراقي) وصراع حرب الخليج المتمثلة في احتلال العراق لدولة (الكويت الشقيقة)، وما كان موقف المملكة حينها من حزم وإرجاع الحق لأهله، كان حرياً بنا أن نعرج إلى ما يدور حول المنطقة من أحداث ظهرت بعضها - لكن المقام لا يسمح بسردها - والآخر يحاك بالخفاء وبدهاء منقطع النظير حتى أصبح الحليم والعاقل حيران في أمره.
لنعود بإدراجنا مرة أخرى لقناة (الجزيرة) التلفزيونية في ظاهر أمرها! وسيطرتها وفي بضع سنين على الساحة الإعلامية التقليدية في الخليج العربي بتقارير وتغطيات أخبارية لأحداث وأطروحات لم يكن المواطن الخليجي معتاداً عليها في بيئة محافظة وغير موجهة، لتكون هذه القناة السبق في السيطرة الظاهرة على المشاهد الخليجي في محاولة لخلق مصداقية في تعاطيها لهذه الأحداث أولاً والتأكيد صحة وقوعها ظاهرياً ثانياً طرحها بطريقتها الخاصة في معالجة ذلك الحدث بما يتوافق مع منهجية تآمرية بعيدة المدى وتطبيقاً لمقولة نابليون بونابرت (فرق تسد) والتي يقول عنها تشرشل (بطيء لكنه فعّال). وفي خضم أحداث مرت بها المنطقة تبلورت أعمال القناة في تخصصاتها لقنواتها المتعددة لتكسب وتؤطر العلاقة بينها وبين المشاهد الخليجي بالدرجة الأولى والعربي إجمالاً؛ فأصبح المتابع لها يستشهد عن خطأ في حديثه لأي شأن في المنطقة العربية أو الخليجية بما تقوله قناة (الجزيرة)، وهذا (هو مربط الفرس) والذي يضع علامات استفهام وأسئلة كثيرة حول الجهة التي تقف من وراء القناة وأجندتها الخطيرة، ولعل الأعجب من ذلك والمثير للتساؤل!؟ هو سماح دولة عضو في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربي وهي (قطر) في أن تبث هذه القناة ومن على أراضيها لخارجها دون قيود!! عدا الضمان الوحيد والذي يراه المشاهد العادي بأن هذه القناة تكون المدافع الأول لها في كافة القضايا التي تثار عليها بين الفينة والأخرى كيفما اتفق الحال ودون السبر في (قطر) وما يدور داخلها!!.
لهذا نرى القناة - أصبحت تسيطر على دولة لها كيانها على المستوى الإقليمي والدولي لتصبح تحت إدارتها شاءت أم أبت وإن كانت تنفذ ما يطلب منها من أجندة لكن النتائج التي كانوا يسعون إليها في تحقيق أهداف مخفية ومعلنة أصبحت واضحة بل طال بها الأمر بأن تقوم بصناعة الحدث وتوجيهه ليتسق مع ما تقوم به والتي أوجدت له هذه القناة منذ أن تأسست!؟.
نعم؛ وخير مثال على ذلك ما يسمى (بالربيع العربي) والذي أطلقت بواكير استعداداته سابقاً وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كوندليزا رايس) عام 2006م « بأن المنطقة مقبلة على (الفوضى الخلاقة)» فكانت الرعاية الإعلامية « جزيرية ـ قطرية» باحتراف في أدلجة الشارع العربي وزعزعته كيفما اتفقت النتائج لأنها ستتجه للفوضى، فكل الطرق تؤدي إلى (روما) فقامت بفصل قيادة كل دولة عربية عن شعبها بأطروحتها وإعطاء المعالجة في ظاهرها النجاة وفي باطنها العذاب والخسران لكل شيء، والنتائج في أرض الواقع تتحدث عن نفسها وخذ مثال ذلك (العراق - سوريا - ليبيا - اليمن) و(مصر) لولا حفظ الله ثم دعم المملكة لها لكانت دولة خامسة!؛ ولكانت الحلقة الأكبر للفوضى الخلاقة الإبداعية لهذا القناة (الأداة) وما تخفيه الأكمة وما ورائها.
قد ينوب بعضنا شعور الشك أو يساورنا الظن لما تقوم به هذه القناة (المأجورة)، لكن الوقائع الأخيرة كشفت وبانحراف فاضح وباحترافية أداء وذلك من خلال تعاطيها مع المقاطعة الكاملة لأربع دول (السعودية، الإمارات العربية، البحرين، مصر) لدولة (قطر) وذلك عبر بث رسائل وتغطيات وأطروحات خرجت من فحيح استديوهاتها وهي تئن لما أتى إليها الضرب في عقر دارها لتخرج من جحرها تبحث عن ضحايا لتلتف وتبث سمومها ميمنة وميسرة دون هوادة والعياذ بالله من أكاذيب ونسجها على طريقة تصريحات لكبار مسؤولي بعض الدول والمنظمات المؤثرة دولياً ليتوأم مع منهجية عملها التي أسست عليه ولتعود عليها بالخسران المبين وذلك في إنكارهم فيما نسب إليهم من تصريحات كاذبة قامت بنشرها؛ «ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله».
وهذه القناة في رأي الشخصي أصبحت في نهايتها المفضوحة والتي قاربت فعلاً على الانتهاء من لباس المصداقية التي تتلبس بها دوماً أمام المشاهد الخليجي والعربي الواعي وهذا المهم في الموضوع ليكون محافظاً على بلده ومجتمعه في توحده وتماسكه من دخلاء أمثال هذه القنوات والأطروحات أياً كانت مصادرها تلفزيونية أو إذاعية أو مواقع التواصل الاجتماعي بكل قنواته. حفظ الله بلدنا وبلاد المسلمين، ومصداقاً لقول الله تعالى في محكم تنزيله - سورة الفرقان {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}.. الآية.