يوسف المحيميد
ليست قطر فحسب، ولا يتعلّق الأمر بالعمل على إشاعة الفوضى والخراب في البحرين، ولا حتى السعودية والإمارات، فهناك عمل تنظيمي إرهابي كبير تدعمه إيران بكل صفاقة وعلن، لا يختلف عمَّا فعلته في لبنان وسوريا والعراق واليمن، فها هي الكويت التي تتخذ الاعتدال والحكمة والتروّي في مواقفها، ها هي ببرلمانها ومجلس أمتها، وبما تمنحه من مساحة حرية ومشاركة سياسية شعبية، تكتشف أن الأمر فوق توقعاتها وحسن نواياها وترددها، وأن عملاء إيران يعملون على الخطوة التالية، وهي الإرهاب والمواجهة المسلحة، في خلية العبدلي وفرار 14 مدانًا فيها إلى إيران، ذلك الذي جعل الحكومة الكويتية تقفل الملحقية الثقافية الإيرانية وتقلِّل تمثيل دبلوماسييها، وتنشر صور هؤلاء الهاربين من العدالة، وهي أقل الإجراءات المتوقّعة، خاصة بعد تورط إيران بشكل مباشر في هذه القضية!
إذن الأمر أكبر من قطر، ومن أكاذيب جزيرتها، وربما تكشف الأيام القادمة أن الأمر أكبر أيضًا من إيران، تلك التي أنهكتها الحرب المباشرة مع العراق ثماني سنوات، وبدلاً من أن تنشغل بالداخل والوضع الاقتصادي فيها وتبني علاقات جوار طيبة مع جيرانها العرب، استبدلت كل ذلك بسيناريو الحرب بالعملاء في الدول العربية، ودعمت هؤلاء بالمال والسلاح والعمل الاستخباراتي، وأيضًا قامت بحمايتهم تحت عرش فارس عند الحاجة.
ومن يتأمل الأحداث منذ الثمانينات يكتشف أن السيناريوهات تدار بطريقة منتظمة، وكلما تعثر سيناريو تمت الاستعانة بالآخر، وللأسف كثير من الساسة العرب يسهمون في دفع مخططاتهم إلى الأمام، لكن الأمر الأكثر أهمية أن الديموقراطيين في البيت الأبيض منحوا إيران خلال ثماني سنوات ما لم تحصل عليه خلال قرون، ولو استمر هؤلاء في السلطة لربما تدهور وضع المنطقة أكثر مما هو متدهور الآن.
هذه الدروس تجعلنا نتنبه جيدًا إلى أن نصبح أقوياء في عالم متدهور، عالم لا يخلو من المؤمرات، علينا أن نبني اقتصادنا جيدًا، ونطور صناعاتنا بما فيها الصناعة العسكرية، ونفتح نوافذ السياسة على الشرق قبل الغرب، علينا أن نتحول إلى قوة كبرى، ليست على مستوى إقليمي، بل على مستوى العالم، فالعالم لا يرحم الضعفاء، ولا يعترف إلا بمنطق القوة، وهو ما يجب أن يكون شعارنا دائمًا.
ولا تعني علاقاتنا السياسية الجيدة مع (سين) من الدول أننا أصبحنا في مأمن، ولا تجاهل (صاد) وصمتها عنا يعني أنها لا تفكر في أرضنا وبلادنا، يجب ألا نغمض أبدًا خلال السنوات القادمة، فكل القوى حولنا، التي نعتبرها أعداء، وحتى من نعتبرهم أصدقاء، يعملون بعلن وبخفاء، فلا يكفي أن نفتح عينًا، بل لا بد من عشرات العيون المفتوحة، والحدس العالي لما يدور حولنا، حتى نكون في مأمن من الأعداء والأصدقاء على حد سواء!