د. محمد عبدالله العوين
مع توافد مزيد من القوات التركية إلى قطر وإقامة قاعدة عسكرية تركية، ومع توقيع اتفاقية عسكرية مع إيران وتداول أنباء لم تتأكد بعد عن احتمال إقامة قاعدة عسكرية إيرانية، وتزايد توافد ملحوظ لـ «سياح» لبنانيين سمح لهم بعد الأزمة بدخول قطر بدون تأشيرة؛ مما يعني أن هذا الإجراء ليس إلا تغطية لدخول آلاف من مقاتلي حزب الله لينضموا إلى آلاف من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني المتخفين بأزياء عسكرية تغاير لباسهم العسكري المعروف؛ هي خلطة عجيبة من الملاح واللغات واللهجات المتباينة التي يزدحم بها فضاء الدوحة حتى فُقد وجه القطري بين كل هذه الوجوه إلا بالكاد بين كل مائة وجه أو لغة ولهجة ترى وتسمع ابن قطر بملامحه المميزة ولهجته الفارقة.
لا يمكن أبدا والحالة المستعرة المتصاعدة في استقدام الأجنبي عربيا أو أعجميا إلى قطر أن تستمع في الدوحة إلى ذلك اللحن الخليجي الوحدوي التاريخي الأصيل الذي انطلق من تلفزيون وإذاعة الكويت منظمة إليها جميع إذاعات دول مجلس التعاون الخليجي عبر الإذاعة الخليجية الموحدة «صوت مجلس التعاون» في شهر ديسمبر 1984م مع بدء أعمال مؤتمر قمة مجلس التعاون في دورته الخامسة بدولة الكويت.
تلك الأغنية الخليجية التاريخية «أنا الخليجي» التي شكلت اللحن الموحد لدول الخليج وواكبت جميع المؤتمرات والمناسبات الوطنية والرياضية ليس لها محل الآن ولم يعد لها اعتبار ولا مكانة أو ذكريات عاطفية وطنية وقطر ترتمي في الأحضان الغريبة وتبتعد عن محيطها الخليجي والعربي؛ وكأن حالة من الفوبيا غير المبررة من ابن العم والجار تهيمن عليها وتحتاج إلى علاج نفسي يخرجها من دائرة الأوهام والخيالات المرضية التي دفعتها دفعا إلى الثقة في الأجنبي والخوف من أبناء العمومة والأنساب القبلية المشتركة!
هل كنا نعيش في أحلام مثالية جميلة تحلق بنا بعيدا حين كنا نتغنى مع فرقة تلفزيون الكويت التي أبدعت في أداء «أنا الخليجي» كما أبدع في لحنها مرزوق المرزوق وفي كلماتها عبد اللطيف البناي؟!
ربما كان من حسن حظي أن أشهد وأعايش اللحظات الأولى لانطلاقة نشيد أبناء الخليج من إذاعة «صوت مجلس التعاون» التي واكبت انطلاق مؤتمر القمة الخامس لدول مجلس التعاون 1984م حيث كنت ممثلا لإذاعات المملكة كقارئ لنشرات الأخبار ومقدم لبرامج المنوعات والحوارات السياسية مع المفكرين والمحللين السياسيين في تعاون وانسجام فريدين مع كوكبة مميزة ونادرة من مذيعي دول مجلس التعاون الست، وقد أفدت كثيرا من فكرة البث المباشر على الهواء التي اعتمدتها إذاعة صوت مجلس التعاون ووجدتها فرصة ممتازة لأخرج من النمطية الكلاسيكية الرتيبة لأدائنا في إذاعة الرياض التي كانت تميل إلى كثير من الرسمية في ذلك التاريخ ولم تبدأ بعد في تجارب البث المباشر المفتوح بصورة واسعة؛ فكان ممن استضفتهم وزملائي الإذاعيون الخليجيون عبد الله بشارة و محمد الرميحي وعبد اللطيف البناي وفائق عبد الجليل ومرزوق المرزوق وأنور عبد الله وغريد الشاطئ ونوال الكويتية وغيرهم، وكان الفاصل المميز بين الحوارات والفقرات هي أغنية «أنا الخليجي» التي صورت كلماتها مشاعر الأخوة والمحبة والاعتزاز والترابط والمصير المشترك بين أبناء دول المجلس، ولعل من يقرأ بعض كلماتها في هذا المقال يستعيد تلك الأجواء الوطنية الخليجية الحالمة التي نمت وتصاعدت وكبرت حتى غدا المجلس بتجلياته السياسية والعسكرية والاقتصادية أقرب إلى مفهوم الاتحاد ووقف سدا منيعا أمام غزو صدام، ثم وقف أيضا أمام محاولات اختراق دولة من قبل التنظيمات الإرهابية المسيسة من إيران وغيرها:
أنا الخليجي وافتخر إني خليجي، أنا الخليجي والخليج كله طريجي.. خليجنا واحد، مصيرنا واحد، وشعبنا واحد، الله أكبر يا خليج ضمنا.. تبارك خليجنا.. تبارك بعز وهنا.. تبارك تبارك.
هل لهذه الأغنية التي أصبحت بمثابة النشيد الوطني الخليجي مكان أو تأثير في وجدان ساسة قطر الذين يرددون قولا وعملا اليوم: أنا التركي أنا الفارسي وأفتخر إني تركي وأفتخر إني فارسي!