جاسر عبدالعزيز الجاسر
كما الأشخاص أيضاً هناك أنظمة ودول لا تقدّر العشرة الطيبة ولا المعاملة الحسنة، ويلاحظ القراء أنني كثيراً ما أقارن الدول بالأشخاص، وهذا فعلاً ما أقوم به للتقريب بين السلوك العام للدول والخاص للأفراد، إذ كلاهما من صنع البشر، واليوم أعرض مقارنة ما يفعله النظام الإيراني مع دولة الكويت، فالكويت تعد أكثر دولة تعاملت مع إيران ومع الإيرانيين بطيبة عالية ومنحت الإيرانيين عطفاً وتميزاً يفوق جنسيات أخرى، فالتعامل مع الإيرانيين في الكويت يتشابه إن لم يفق تعامل الكويت مع الجنسيات العربية بما فيها الخليجية، ولكنه واضح في تميز التعامل مع الإيرانيين، إذ ما قورن بالتعامل مع الآسيويين الآخرين وبفضل الرعاية والعطف على الإيرانيين سيطر الإيرانيون ومنهم من حصل على الجنسية الكويتية على الكثير من الامتيازات بل هناك مهن أصبحت مغلقة على الإيرانيين من باعة الذهب إلى الخبازين الذين منحوا «الخبز الإيراني» ماركة تفوقت على الخبز اللبناني وبعض الإيرانيين أصبحوا من كبار الكويتيين، وامتلكوا بنوكاً ووصل بعضهم إلى عضوية مجالس الأمة وتقلد منهم وزارات مهمة، والحقيقة أن الكثير من هؤلاء أخلصوا للكويت وبادلوها حباً وإخلاصاً مقدرين ما وفرته لهم من رغد للعيش وعدم التفرقة بينهم وبين أبناء البلد الأصليين.
مثل هؤلاء الذين يشكلون نسيجاً وطنياً لم يكن أحد يشكك في ولائهم حتى حصلت ثورة خميني التي طرحت نفسها كحامية للشيعة ومنهم أصحاب الأصول الفارسية، وقد شعر الكويتيون بأول انفصام «للوطنية» لأصحاب الأصول الفارسية عام 1979 حينما تجمهرت الجالية الإيرانية ومعهم من معتنقي الشيعة في جامع شعبان وأثاروا اضطرابات قادها الإيراني المتجنس عباس المهري الذي سرعان ما هرب إلى إيران ليتم إسقاط الجنسية الكويتية عنه ويضطر للعيش في «جنة ملالي إيران» التي كانت جحيماً سعيراً إذا ما قورن بالعيش في الكويت، مجتمع الرفاهية والخير لأبناء الكويت.
من يومها الكويت تعاني من «جارة الشر والإرهاب» إيران التي قابلت طيبة أهل الكويت وحكامها وعطفهم على الإيرانيين، بالتآمر والعمل على نشر الفتن والإرهاب والتي أخذت تتصاعد إلى حد العمل على تغيير النظام والاستيلاء على دولة الكويت عبر زرع وتدريب خلايا طائفية إرهابية، كلّف نظام ملالي إيران ذراعهم الإرهابي حزب حسن نصر الله، حزب الله اللبناني بتدريب عناصر من المتجنسين الكويتيين من أصول إيرانية وعراقية والذين أنشأوا العديد من الخلايا الإرهابية وقاموا بتخزين أسلحة ومواد متفجرة في منطقة العبدلي المتاخمة للحدود مع العراق، إذ كشفت الأجهزة الأمنية الكويتية عن وجود 19 طناً من الذخيرة و144 كيلو غراماً من مادة «تي ان تي» وقذائق صاروخية وقنابل يدوية وصواعق وأسلحة، وهي كميات تكفي لتدمير دولة الكويت وتصعيد العمليات الإرهابية داخلها وفي دول خليجية أخرى.
الحكومة الكويتية التي صدمها دعم النظام الإيراني لما أطلق على أفرادها بـ»خلية العبدلي» لم تجارِ الإيرانيين في تعاملهم في مثل هذه التجاوزات بل قدمت من قبض عليهم وهم 16 عنصراً منهم إيرانيون والآخرون كويتيون من أصول إيرانية، إلى محاكمة عادلة فبعد أن مثلوا أمام المحكمة الأولية ثم محكمة الاستئناف والنقض نالوا أحكاماً يرى فيهم العديد من الكويتيين بأنها أحكام مخفضة لأن الجناة المدانين كانوا يسعون إلى تدمير الكويت وتحويلها إلى ساحة معركة تجعل الدماء تسيل في شوارعها، وأكثر ما صدم الكويتيين، وآلمهم أن نظام ملالي إيران وعبر سفارتهم في الكويت كان يدير العمل الإرهابي وأن كل من كان يعمل في السفارة ضالع في التآمر على أهل الكويت وآخرها تهريب من حكم عليهم إلى إيران عبر البحر، ليكون تعامل الإيرانيين مع الكويت نكراناً يترجم الحقد الدفين باتجاه كل عربي.