د. صالح بن سعد اللحيدان
ليس المعول عليه في كسب العلم وفهمه والإحاطة بما يهم العالم في باب من الأبواب أو في مسألة من المسائل.. ليس المعول عليه كثرة القراءة والنظر، وجمع كتب تساوي أو تقرب من ثلاثة آلاف كتاب، إنما المعول عليه - كما سبرت حال كبار العلماء الأقدمين - ما يأتي:
1- الاستعداد العقلي الفطين للمسألة، أي مسألة.
2- شدة التحري والدقة للوصول إلى المراد.
3- قوة الفهم والإحاطة بالأدلة الصحيحة والاستشهادات المعول عليها حقيقة.
4- دقة العمق للوصول إلى النتيجة بعيداً عن التعصب للرأي المجرد الأحادي.
5-جمع أطراف المسألة من أكثر من كتاب وبذل الرأي الصواب.
6- عدم الجزم بوجوب حقيقة ما وصل إليه بل جعل الباب مفتوحاً.
7- حسن الخلق حين المعالجة أو نقاش المخالف، ولا أقول الرد.
8- موهبة النقد الذاتية الصحيحة، وهذا أقوله للتفريق بين النقد الموهوب ودراسة الأعمال.
9- إعادة الصواب إلى أهله وعدم غمط ذوي الفضل حقهم.
10- الاستشهاد والاستدلال بذكر المصادر وأسماء المؤلفين أداءً للأمانة.
11- التوقف عند عدم الوقوف على حقيقة ما يريد الوصول إليه في مسألة أو باب.
12- استشارة كبار العلماء الموثوقين فيما يراد طرحه؛ فقد كان البخاري يسأل علي بن المديني دائماً، وقد كان مسلم يسأل أبا زرعة الرازي، وقد كان ابن ماجة والترمذي والنسائي يسألون يحيى بن سعيد القطان إن تم اللقاء.
وقد كان الخليل بن أحمد الفراهيدي يسأل حماد بن سلمة، وشاع هذا عند ياقوت الحموي وابن منظور، ومن قبل الإمام ابن جرير الطبري وابن قتيبة وابن أبي الدنيا.. قد كانوا يسألون إذا عز عليهم شيءٌ من العلم، ولا يتكلون على الفهم المجرد أو النظر المجرد بل قد قال الله تعالى {وشاورهم بالأمر}.
وهذه مسألة قد قلت اليوم.. فمن خلال تجوالي في كثير من الديار - بحسب اختصاصي العملي علمياً وإدارياً - فقد قلّ السؤال والنقاش؛ وذلك بسبب الاتكال على وسائل الاتصال الاجتماعي ونسب الشيء إلى النفس.
وهذا الذي أقوله من النقاط السالفة لو دُرست من خلال الهيئات العلمية، وكذلك المراكز ومجالس الجامعات، وأشرف عليها المسؤولون بشدة تحرٍّ وقوة متابعة، أغلب الظن أن التجديد العلمي غير المسبوق قاب قوسين أو أدنى.
وعلم اللغة الذي هو أصل من أصول العلم الذي يحسن الأخذ به بجانب علم النحو - كما رأينا في الجزءين السابقين - هو الذي يجب أن يكون في الاعتبار، ولاسيما وقد ضربت مثالاً قائماً في حرف أن.