كأس ليس فيه لذّة الفوز وعشق الانتصار! وحصاد مبرمج بخطط مؤدلجة تسيّرها رحلات من النزاهة والعفة المزيّفة بالكذب الصُراح التي استغرقت سنين مُغلّفة بإطار الضحك الهستيري على الحالة العربية المصابة بداء السذاجة فإذا بها فيما بعد تنهمر أدمعاً بعد أدمعٍ من البكاء ! أسَفٌ يتبعه أسفٌ على جواسيس السلطة وأراجوزات المخابرات التي كنّا نعتقد يوماً أنهم واجهة الروح العربية البريئة التي تعتنق الطّهر مذهباً وطريقاً، وباعتقاد جازم لا يخالطه أدنى شك في إخلاصهم وصدقهم المزعوم، هكذا كانت عاطفتنا البريئة!
لأنّ الفنون والآداب رسالة تصدقها الشعوب وتحتفي بمن يقوم بإيصالها إيماناً أنها تعكس صورة الحقائق ومعالجتها على أرض الواقع وثقافة مرحلة تُعدّ من تاريخ الأمة يتعاقبها الأجيال في مذاكراتهم وحواراتهم!.
فالفوز بنتيجة الشوط الأول لا يعني الظفر بالمباراة حتى وإن كان الخصم أشد ضعفاً من الآخر فالكأس المزيف الذي رفعه دريد في الثمانينات لا يمكن أن يرفعه مرة أخرى ! حتى وإن كنّا نراوح في مكاننا بين أودية التيه القديم!
ثقافة مملة كنّا نصفق لها بأداء مصطنع ملؤه نفاق ومداهنة فيه من الخسة والتواطؤ والخداع على الجمهور العربي طيلة نصف قرن من الزمان ! هكذا يُنظر إليه الآن بعد سقوط الأقنعة وخيبة الأمل التي لم تكن متوقعة من النخب الدرامية والتي كانت يوماً من الأيام إحدى رموز القوة في الطرح الدرامي السياسي والاجتماعي !
هل مازلنا نكتشف حقائق البعض ويظهر لنا من الشّبه الكثير من الشخصيات الدُمى ؟! ربما هناك في جراب الحاوي ما يخبئه الدهر من مفاجآت!
عندما أخذتني نشوة الحماسة العربية مثل غيري حين رأيناه ينتقد الدكتاتور ونظامه الدكتاتوري دون خوف أو وجل ويبكي على حال المساكين من أبناء جلدته وعلى الأرض الجميلة التي تنتظر من يحرثها خيراً لتنتج أرقى بلد! ضحكنا كثيراً بضحكات ممزوجة بالإعجاب والفخر أن هناك من يستطيع أن يزأر في وجه الأسد رغم القيود والخوف ورغم التهديد والوعيد!.
خيبات الأمل تتوالى بمواعيد وصدف، فالأزمات تخرج من أرحامها حقائق الأصدقاء والأعداء وأدوار الدراما إن لم يكن الممثل يعيش الدور في حياته الخاصة والعملية فالكومبارس وغيره لهما الحق في تقاسم الشهرة والأضواء والمال!
كان دريد الممثل الوحيد على الشاشة ذاك الوقت الذي لا أُخطئ في وطنيته وحبه لوطنه وأهل بلده ليس لبلاد الشام فحسب وإنما للعروبة بشكل عام ولست وحدي بل اعتقد أن كل العرب كذلك من الكويت حتى تطوان! ظللت أردد كاسك ياوطن منذ الثمانينات حتى الثورة السورية كلما أمسكت بيدي كأساً ! من إعجابي المفرط بهذه المسرحية واختزالها في الذاكرة العتيقة كإحدى محطات الحياة ! يذكرني دريد لحام بشخصية الدكتور يوهانسون فاوست في قصة غوتة الشهيرة فعلى المال والجاه الذي يسيطر عليه لم يتركه جشعه حتى تعاقد مع الشيطان ليطلب منه المزيد لتحقيق نجاحات أكبر ، ضارباً عرض الحائط بالجمهور الكبير الذي ظل يصفق له بيديه فرحاً به كطائر يطير لأول مرة في الفضاء مستبشراً بعالم جديد بعيداً عن النفاق والكذب الفني المصاب بداء المخابرات العقيم.
- زياد بن حمد السبيت