الترجمة هي إحدى السبل العظمى للتنوع الثقافي والفكري والفلسفي لدى البشر في العلوم الاجتماعية والتطبيقية، لذا فإن حضور المؤسسات التي تعنى بالترجمة في مجالنا العربي يعطي المجال الفسيح للفكر العربي والفلسفة العربية بأن تتشارك مع غيرها من الثقافات الأخرى، بيْدَ أننا نلحظ القلة إن لم تكن الندرة في وفرة هذه المؤسسات في عالمنا العربي، وحلّت دور النشر التجارية بشكل ظاهر في مجال الترجمة مما جعلها تنتج لنا ترجمات حرفية باهتة لا تشكل لنا معنى حال قراءتها؛ بل إنها تقتل المعنى وتصد عن التفكير في هذا النموذج الثقافي المتنوع.
ولا يخفَ علينا مدى مشاركة عدد من المؤسسات المهتمة بالترجمة في عالمنا العربي -على قلتها- إلا أنها استطاعت أن تقدم لنا منجزًا مهمًا على طريق التلاقح الفكري؛ ومن هذه المؤسسات: المنظمة العربية للترجمة في بيروت، كلمة للترجمة في أبو ظبي، المركز القومي للترجمة في مصر، عالم المعرفة في الكويت، وتهتم هذه المؤسسات بالمنجز المترجَم على وجه الخصوص؛ إلا أنها انغمست في المنجز الغربي أكثر من غيره من الفكر الشرقي والآسيوي، والثلاثة الأول منها حديثة عهد بالترجمة إذ أنشئت بعد العام 2000 ميلادي.
وقلة المؤسسات المهتمة بالترجمة لا تعني عدم توفر المترجمين إلى العربية بقدر الدلالة على ندرة العمل المؤسسي في مجال الترجمة؛ وقد يكون عائق الدعم المادي أهم أسباب إنشاء مؤسسات الترجمة مما يحيلنا إلى لوم الحكومات السياسية، وأيضا لوم المجتمعات التي ما زالت تفكر في دعم بناء مسجد أو حفر بئر هو العمل الخيري الأكثر نفعًا.
ولعل الاهتمام بالعمل المؤسسي للترجمة ينبع من إشكالية ضمن حقل الترجمة في تعدد المصطلحات والمفاهيم التي سيكون العمل المؤسسي أكثر ترقيةً لها ودقة؛ وهذا لا يعني أن نوحد مصطلح الترجمة بقدر ما يعني الدقة والمقارنة بغيرها من المفاهيم والمصطلحات التي من الممكن أن يفيد العمل المؤسسي فيها بشكل ناجع أكثر من العمل الفردي.
وهنا يحق لنا أن نطمح بإنشاء مركز -إن لم تكن مراكز- بحثية نابعة من السعودية تشارك بها في المجال الثقافي العربي؛ وبالخصوص حينما نعلم أن الترجمة تحتاج إلى جهد مضنٍ يحتم استهلاك مبالغ مادية عالية لترجمة الكتاب الواحد.
- صالح بن سالم