مهما حاولت أحصنة الثقافة والهوية والأحكام القبلية القفز على العلاقات الإنسانية نجد الحاجة الماسة للغير هي سيدة الموقف لا ننكر ذلك وإن تجاهلناه، حتى الفردية والاستقلالية لا تلغي تفاعلاً إيجابياً غيرياً..
كذلك التعصب واللاتسامح في اعتقاد المرء الدوغمائي بأنه على صواب مطلق يؤدي بطريقةٍ أو بأخرى إلى الانسلاخ عن الماهية الإنسانية والاغتراب في المجتمع الدولي وإن بدا لنا ذلك غير مهماً لكنه يؤدي إلى علاقات غير مسؤولة تجاه الآخر وتكثر وقائع أخطائه وتنتج أزمات دولية واجتماعية لا حصر لها .. منهم من يجعل الموضوع مستحقاً للمصلحة وفي هذا ايضاً ميلاً عنيفاً للآخر وتماهي بغيض، تدريجياً يصبح نهجاً وفكراً وممارسة تؤدي الى مَنَاحي مزدوجة ومتناقضة فيها تغييب لثقافة المجتمع ومواتاً لمبادئه.
لكل دول العالم بُعداً ايطييقياً؛ عقائدي ثقافي وجغرافي.. كذلك أيضاً القوانين الأخلاقية المشتركة التي تربط البشر بعضها ببعض بكل ماهو مألوف، حسن، محبب ومرغوب أو بغيض وغير مستساغ بُعداً آخر تتجاذب تسامي الإنسان وعتبات التقدم. للقيمة الأخلاقية فضاء مداه «الإنسان» في كل بقاع الأرض.
إن العالم اليوم بقدر ما يتقدم نحو ترسيخ القيم المشتركة للإنسانية، بقدر ما يظهر أحداث النزوعات النكوصية المتمثلة في تمجيد هويات وجنسيات مماثلة وتبخيس الغيرية (مغايرة)، حتى وإن بدت دول متحضرة ويحكمها قانون وأعراف دولية. حكمَ العالم حينا من الدهر ما يسمى إيديولوجيات «الهوية الأصل» وارتكبت الفضاعات ضد الإنسانية بسبب هذه الإيديولوجيات من ذلك ماتعرض له اليهود من النازية الإلمانية وجرائم الأتراك ضد الأرمن، وماحدث للمسلمين البوسنيين من إبادة وقتل وماتتعرض له القبائل الإفريقية من جرائم مشينة وتركهم يأكل بعهم بعضاً في حروب لا طائل منها إلا الدمار!
التاريخ لا ينتهي.. التاريخ يعيد نفسه وما يهدد العالم اليوم ليس صراع حضارات، وإنما هو صراع هويات وطوائف وهو أخطر صراع ممكن تتعرض له الإنسانية. صراع الهوية والأطياف يستهدف دائماً إمكانية العيش سوية واسوياء داخل المعمورة. التنافر واللاتجانس هو أمر طبيعي يدخل ضمن صيرورة التحولات الحضارية التي تجبر قوتها التفاعلية الهويات على التقارب من بعضها البعض اي الانفتاح. الهوية تعني الانتماء، والانتماء فطرة لكنها فطرة لا تنفي الإنسانية، كلاهما سيان وليسا متنافيان.
هناك تعبير جميل جداً يسمى «دينامية ذاتية القوة» وهو ما يجعل مني ديناميكيا كإنسان مسؤولاً مسؤولية كاملة للآخر وإلى احترام أي ثقافة مغايرة، من ذلك نجعل التسامح أكثر منه ميولاً فكرياً أو «انفتاح الهوية» بل «قيمة إيجابية» و مبدأ وقاعدة في العلاقات الإنسانية كي نبدو دولاً أكثر تحضراً وإيجابية..
هكذا، كلما أرادوا تمويت الفلسفة يظهر لها مواتاً حياً، لأنها في كينونة الإنسان. الانتهاء لا يعني الاكتمال، قد نكون انتهينا من التفكير بأساس الوجود إلى الوجود وبالوجود..
تظل الفلسفة الأكثر عمقاً وأكثر خصباً ورواءً لقضايا الإنسان.
- هتون السويلم