د. ناهد باشطح
فاصلة:
((ليس احد أفضل من الآخر إذا لم يكن يعمل أكثر من هذا الآخر))
-حكمة عالمية-
يردد الناس كثيرا كلمة "مهنية" عندما يتحدثون عن الاعلام حتى وان لم يكونوا ممارسين للمهنة او دارسين للتخصص، بينما لا يتجرأ احد من الناس ان يصف عمل أي طبيب او مهندس مثلا او تقييمه وفق اخلاقيات مهنة الطب او الهندسة.
وفي مجتمعنا يعود عدم تقدير مهنة الصحافة وجرأة الناس في تقييم موادها بالشكل الذي يمكن أن تؤثر سلبيته على العقل الجمعي وترسخ الصورة الذهنية السلبية لممارسي هذه المهنة، الى ندرة الجمعيات المهنية او ضعف تأثيرها وليس هذا ما اود التحدث عنه انما اود ان يعي من يقرؤني ان المهنية في الاعلام ليست فقط جودة المنتج بل التزام الممارس نفسه باخلاقيات المهنة، ولا يمكن ان نردد كممارسين للمهنة ما يتردد غالبا من ان اعلامنا بلا مهنية دون ان نكون كاعلاميين لدينا قانون لاخلاقيات المهنة قبل كل شيء.
بالطبع ليس ذنب مجتمعنا ألا يوجد به حتى الآن قانون لاخلاقيات المهنة فعلى كل ممارس للصحافة ان يلتزم بالقوانين الدولية المتعارف عليها على الأقل ليؤدي مهنته بأخلاقياتها المتفق عليها.
الاعلام سلاح مؤثر ولذلك بدأت أول محاولة فرنسية عام 1918 لفرنسا في وضع ميثاق لأخلاقيات المهنة بعد الحرب العالمية الأولى، نظرا للدور الفعال الذي لعبته وسائل الإعلام في تلك الفترة، وتوالت المحاولات الغربية والعربية لسن قوانين وأنظمة لتحديد اخلاقيات المهنة.
ومن المهم ان تدرك المؤسسات الإعلامية ان الأخلاق المهنية ليست مرتبطة بالممارسة السليمة للمهنة كقواعد فنية فحسب بل انها تنبع أساسا من سمو اهداف المهنة، ولعل " جون هوهنبرج" في تعريفه لاخلاقيات المهنة يوضح هدفها اذ يقول "هي تلك الالتزامات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها كل صحفي والمتمثلة أساسا بضرورة العمل من أجل الوصول إلى تغطية منصفة وشاملة ودقيقة، صادقة وواضحة مع مراعاة حماية المصادر وتحقيق الصالح العام لا غير، عن طريق احترام القانون وحقوق الحياة الخاصة للأشخاص وتصحيح الأخطاء في حال وجودها".
ولذلك لا اقبل ان تنفصل اخلاقيات الصحفي عن اخلاقيات مهنته فالهدف الأول لوسائل الإعلام هو الثقافة وخدمة المجتمع، فإذا لم يؤدها الصحفي فانه لا يستحق ان يعمل في هذه المهنة.
وهنا تكمن الإشكالية حيث ان هناك بعض الاعتبارات تترك لشعور الصحفي بمسؤوليته امام مجتمعه، وهذا ما هو متعارف عليه في مجتمعنا لانه حتى الان لم يصدر نظام لاخلاقيات المهنة يلتزم به كل الممارسين بينما في مجتمعات أخرى لا يمكن الاستناد على ضمير الصحفي فقط بل يتوجب الالتزام بتشريعات محددة.
لذلك فان الحكم بمهنية اعلامنا او عدم مهنيته لا يمكن الجزم به في ظل عدم تنظيم المهنة أولا وقبل كل شيء.