أ.د.عثمان بن صالح العامر
نقاش حاد، ارتفعت فيه الأصوات، وكثُر فيه اللغط، وكان الأخذ والرد بين بعضنا البعض مساء الثلاثاء القريب حيال موضوع قد يتكرر طرحه والجدل حوله كثيراً في مجالسنا اليوم، تُرى هل من المناسب متابعة الأخبار في ظل ما نحن العرب فيه من حال لا تخفى، حروب ومآسٍ، قتل واغتصاب، تهجير وتعذيب، أسرٌ وترويع، صور تبكي، ومشاهد تحزن، وأصوات تؤلم، وأحاديث توجع، وفي النهاية لا تملك أنت شيئًا وليس بيدك أن تغير؟
# هناك من يرى أن الأحداث الجارية على ساحتنا العربية، والتي وصلت إلى منطقتنا الخليجية متعبة عقلياً ومؤذية نفسياً، وصارفة للإنسان عن عمله الأساس المنوط به، الذي هو المقياس الصادق لدى العقلاء للتدين الصحيح والمواطنة الصالحة، ولذا فهذا الفريق يعتقد أن من حق نفسك عليك ألا تستهم على متابعة كل ما يكتب ويقال هذه الأيام، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي التي ربما قادتك- وأنت البعيد عن معمعة النزال- لمعارك جانبية خاسرة؛ إذ قد تدفعك العاطفة وأنت لست متخصصاً في السياسة، ولا قريباً من متخذي القرار السيادي، فتغرد وتعقب وترغي وتزبد، وتنسى نفسك فتلعن وتشتم وتقول ما تعاب فيه وتنتقص يوماً ما، وربما كان ضرر ما اجتهدت فيه أكثر من نفعه سواء على الصعيد الوطني أو المذهبي أو الشخصي.
# فريق آخر يعتقد أن مواطنتك الحقيقية وانتماءك العربي وإسلامك الصادق يوجب عليك أن تتابع ما يدور في العراق وسوريا واليمن وتونس وليبيا وفلسطين و... ومن باب أولى في منطقة الخليج؛ فأنت هنا تخوض معركة حقيقية ضد هؤلاء الإرهابيين المتطرفين المتربصين ببلاد العرب والمسلمين سوءًا، الذين يريدون في النهاية أن يهدموا السقف علينا في قعر دارنا الآمنة المؤمنة، أرض الحرمين الشريفين، بلاد السلام والإسلام المملكة العربية السعودية، والسكوت في مثل هذه الحال خذلان ونكوص ، ولا يمكن لك أن تتكلم أو تكتب إلا بعد أن تتابع وترصد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. نعم قد يعتريك ضيق ويعتصرك ألم، وهذا أمر طبيعي حين تكون في مثل هذا الظرف الذي نمر به، ولكن كل هذا يهون في سبيل تبليغ كلمة الحق الذي يوجب عليك دينك وتلزمك وطنيتك أن تقولها في وجه الباطل مهما كان جنسه وحجمه ولونه ومقدار خطره محاولاً جهدك أن تصل لأكبر عدد ممكن من الناس، لعل الله أن ينفع بك وتكون كلماتك- مع غيرها- معاول هدم لمخطط التفتيت الذي يراد أن يكون في أرضنا ومن حولنا كما هو معلوم.
والذي أراه في هذا أن تكون بين بين، فلا تسرق المتابعة يومك ولا تسلبك الأحداث جهدك، ولكن ليكن لك ساعة من ليل أو نهار تتابع ما استجد من أحداث وتسمع الأخبار، ويكون ما يقوله قادتنا والشخصيات المعتبرة فينا من علماء ربانيين وسياسيين مختصين - أهل الذكر في هذا الباب - وإعلاميين مثقفين - حين يتحدثون بصفتهم الرسمية لا الشخصية - هو مصدرك الموثوق الذي تطمئن إليه وتستقي منه معلوماتك وتبني عليها مواقفك من جميع الأحداث من حولنا، وفي ذات الوقت توطن نفسك فيما يصل إليك من أخبار وتحليلات، وتجعل عقلك يفلترها بشكل متزن بعيداً عن الرتوش والهوامش، إذ «إن الله قد يُلقي كلمة الحق على لسان شيطان» ، وأنت بصفتك الآدمية التي كُرّمت بها ممن خلقك سبحانه وتعالى- من يعرف الحق من الباطل أياً كان مصدرهما «فعلى الحق نور»، و»الحق لا يُعرف بالرجال ولكن الرجال يُعرفون بالحق»، وحين تهم بالكتابة أو تعزم على التغريد حاول بجد أن تترفع عن الإسفاف في الخصومة، وتنأى بنفسك عن الكلمات التي قد تفهم عنك خطأ أو توظف توظيفاً سلبياً تحرج فيها نفسك أو غيرك ولو بعد حين، وإياك والظن، فإنه كما قال رسول الله صلى الله وسلم: «أكذب الحديث» ، وتذكر أن محمداً النبي الأمي هو من قال لنا في الحديث الصحيح: «بئس مطية الرجل زعموا»، و»كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع». حفظ الله عقيدتنا، وحرس قادتنا، وحمى بلادنا، ونصر جندنا، ووفق علماءنا ودعاتنا لكل خير، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.