د. حمزة السالم
السعودة ضريبة مُكلِفة يجب أن يتحملها المجتمع، ويصبر عليها.. ولكن للمجتمع حق وللتاجر حق، وللموظف حق أن نخطط لضريبة فرض السعودة بشكل يؤدي هدفها بتحقيق الإنتاجية المُثلى والاستغلال الأمثل من العمالة السعودية.
فنحن قد شُغلنا بوضع مقاييس وتقييمات وبرامج دعم، لسوق غير موجودة أصلاً. فسوق عمالتنا السعودية سوق اتكالية، ومجال البطالة المقنعة واسع، ومجال المجاملات والواسطات أوسع، ومجال الإبداع مقفل بغياب المحفزات. فباب التميز مغلق، بوجود الأجنبي واتكالية السعودي عليه. فما نقوم به من قياسات أداء وغيره كله من التنظير المحض الذي ليس له واقع ليُطبق عليه. فلن تصلح ثقافة سوقنا، إلا أن يجبرها السوق لا الدولة، فالسوق قوي، لا يُفرض عليه شيء، ولا يغلب أحدٌ السوق. فلنستخدم آليات السوق وقوته في تحقيق الاستغلال الأمثل من طاقات قوتنا البشرية المعطلة، وإصلاح ثقافته الإنتاجية. فكل ما نعمله تقليداً لغيرنا لن ينجح، فثقافة العمل عندهم مختلفة.
ولو تساءلنا: وكيف يكون تطبيق استخدام آليات السوق. فسأشرح بالمثال، فالمثال يوضح الفكرة ويبين ثغراتها ويستفز الفكر لاستجلاب شواهد تنقضها أو تدعمها.
فلو اخترنا مثلاً شريحة عمالة تخصصية، من سوق العمل، لإيقاع التجربة عليها والتعلم منها، فقلنا مثلاً شريحة مهندسي العمارة. ثم نوجه ما ننفقه على بطالة مقنعة، كهدف وغيره، على برنامج تدريبي متقدم، بإشراف متخصص عالي المستوى من حيث تنوع المحتوى ومن حيث التقييم، لهذه الشريحة من العمالة السعودية المتخصصة، حتى من كان في وظيفة، هي أقرب للبطالة المقنعة منها للإنتاجية. ولنستخدم أساليب غير مألوفة لنستعين بها على تقييم البرنامج للتأكد من كونه برنامجاً جاداً بأفضل المعايير الحديثة. كالاستعانة بتقييم المخلصين من المتدربين، ولو سراً، ومن جهات مختلفة لا تعرف بعضها بعضاً. ويكون هدف التقييم البحث عن كلمة «فشل»، لكي نصحح الفشل لا البحث عن كلمات التمجيد.
فمثلاً السوق يحتاج لمائة مهندس معماري.. فيه من الأجانب سبعون ومن السعوديين أربعون، لا يخلون من بطالة مقنعة، أو أن أجورهم منخفضة، (فالأجور من الإنتاجية). وعندنا عدد المهندسين السعوديين ثمانون، أي بطالة حقيقية أربعون وشبهة بطالة مقنعة أربعون أخرى، بفائض عشرة مهندسين.
فيُعقد البرنامج للثمانين مهندساً معمارياً سعودياً، ومع التخرج تكون الأنظمة قد وُضعت وفُرضت فيُنهى التعاقد مع ستين مهندسا أجنبياً ويبقى عشرة أجانب، فهذا يُصفي أجودهم لعلم صاحب العمل بجدية الموقف وأهمية بقاء الأفضل. وهؤلاء يعملون بقوى السوق كمشرفي عملية انتقال العمل، تدريجياً، للسعوديين. ويتوظف الثمانون سعودياً ويبقى نقص في العرض بمقدار عشرة مهندسين. أي نقص 10 %. هذا النقص في المهندسين المعماريين، يضمن ارتفاع الأجور، ويضمن وجود عمل ضروري عند المهندس السعودي لا بد له من القيام به، فنعمل على إبعاد شبح البطالة المقنعة. والواقع يحتم أننا مهما اجتهدنا فلن تخلو من كسول خلقة، فهذا نقص 10 % أخرى، أي فيقع عمل 90 مهندساً سعودياً على 70 سعودياً فقط. فهذا الضغط ووجود عمل محتم تنفيذه، يستخرج منهم همم الهميم، وتُستحفز إبداعيات المبدع، ونخلق مناخ التنافس البناء للتقدم في المناصب، لاضطرار الشركة أو المنظمة لذلك، بعد يأسهم من استجلاب الأجنبي. فتُحل إشكالية الاتكالية وتُخلق بيئة اكتشاف الأفضل. وهذه التجربة لكي تنجح يجب أن نختار لها مجالاً لا يستطيع التاجر أو الشركة الخروج من البلد، أو التسبب في إفشالها. فمتى نجحت، صار تعميم التجربة أمراً هيناً. فلن نقدر على التطبيق الشامل، إلا بوجود تجربة ناجحة، فمقاومة المجتمع أقوى من أي عزيمة لتغيير ثقافة عمل، هكذا دفعة واحدة لأفراده كلهم.