علي الصراف
تملك قطر أعلى مبنى في لندن. وكنت أعتقد أنها اشترت مشروع هذا العقار من أجل بُعد النظر. قبل أن أكتشف أني على خطأ. ذلك أنك إذا صعدت فوق ذلك المبنى فإنك سترى مدينة عامرة، إذا واجه سكانها مأزقاً، فإنهم يؤمنون بحكمة تقول: If you find yourself in a hole, stop digging.
وترجمتها: إذا وجدت نفسك في حفرة،.. توقّف عن الحفر.
ودليلي على أن قطر اشترت ذلك المبنى من أجل المنظر، لا من أجل بُعد النظر، هو أنها عندما وقعت في الحفرة في عام 2013، فإنها ظلت تحفر. وعندما زادت الحفرة عمقا، عام 2014، فإنها ظلت تحفر، وهي ما تزال تحفر لنفسها حتى الآن.
فبدلا من أن تصغي لأشقائها، فقد آثرت أن تواصل التآمر عليهم. وعندما ألزمت نفسها بعهود قاطعة، فقد آثرت أن تتجاهل تلك العهود حتى لم تعد هناك ثقة بقيمة ما يوقّع عليه أميرها نفسه. والتوقيع نفسه، بدا وكأنه توقيعٌ على شيك مزور. ولو جاءك منه 100 مليون دولار، فخير لك أن ترده إلى صاحبه، لكيلا تتورط فيه، لأنه يكون قد أعطى عشرة أضعافه لمنظمات إرهابية.
ومنذ أن اندلعت أزمة زوال الثقة الأخيرة، فقد عمدت قطر أن تزيد الطين بلة. فجلبت جنودا أتراكا، وعززت تحالفها مع إيران، وفتحت سجلاتها للمخابرات الألمانية (أو هكذا قيل)، وتوسلت لهذا الطرف الدولي وذاك، وعقدت اتفاقا جديدا مع الولايات المتحدة، كل ذلك بدلا من أن تتوجه إلى أشقائها بالذات. وفوق هذا، فقد ظلت تنكر ما وقّعت عليه، حتى لكأنها أرادت أن توحي لكل من توّقع لهم، أن توقيعاتها لا تساوي قرشا. وظلت الحفرة تتعمق.
صاحب ذلك القول المأثور هو «ويل روجرز»، وهو استعراضي أميركي شهير (عاش بين عامي 1879-1935) اتسمت أقواله بإثارة الدهشة لفرط بساطتها وحكمتها، وقال الكثير مما يمكن لقطر اليوم أن تستفيد منه، لو أن شيوخها ارتقوا بنايتهم في لندن من أجل بُعد النظر لا من أجل لطافة المنظر.
ففيما لو نظرت إلى ما تهذر به قناة الجزيرة من هراء تحريضي ضد أشقائها، فإن روجرز يقول: «لا تفقد أبدا الفرصة المناسبة، لكي تصمت».
وإذا ما نظرت إلى «استثمارات» قطر في تنظيمات الإرهاب، فإن روجرز يقول: «أسرع طريقة لتضاعف دولارك، أن تطويه وتضعه في جيبك».
وإذا ما نظرت إلى ما تقع به قطر من سوء تقدير بعد الآخر، فإن روجرز يقول: «هناك ثلاثة أنواع من الرجال: الأول يتعلم من القراءة. والثاني يتعلم من الخبرة. أما الثالث، فانه يتعلم فقط عندما يضع يده على السياج المكهرب».
وإذا نظرت إلى قيادتها لتنظيم الإخوان المسلمين، فإن روجرز يقول: «إذا كنت تتقدم قطيعا، فعليك أن تنظر إلى الخلف من وقت لآخر، لتتأكد مما إذا كان القطيع ما يزال موجودا».
وإذا ما نظرت إلى السلاح الذي تقدمه قطر للمنظمات الإرهابية، فهو يقول: «إن إخراج قطة من القفص، أسهل بكثير من إعادتها إليه».
وإذا نظرت إلى رهانها على إيران، بينما لا تراهن إيران عليها، فإنه يقول:»الحصان أكثر ذكاء من بعض البشر. فبينما تراهم يراهنون عليه، فإنك لن تجد حصانا يراهن عليهم».
وعلى أي حال، فهناك نظريتان بشأن الجدل مع قطر،.. كلاهما لا ينفع.
وعندما يأتي وزير خارجية آخر لزيارة المنطقة من أجل التوسط، فلقد رد أحدهم على روجرز بالقول: No, No, please. Keep Digging.
أي لا يرجى الاستمرار في الحفر.