خالد بن حمد المالك
نحاول أن نتجنب الحديث عن الأزمة القطرية المشتعلة مع جيرانها فلا نستطيع، نبحث عن موضوع آخر نشغل به ونكتب عنه بدلاً من المشكلة القطرية التي يبدو أنها مستعصية على الحل، بسبب تعنت القطريين، وإصرارهم على المضي مع الإرهاب في خلق جو مشحون بالتوتر بين الدوحة وكل من الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة، في تصعيد يجعل من فرص الحل محدودة وضيقة، بل وغير ممكنة ما بقي الموقف القطري مصرَّاً على أنه لا تغيير في سياسات الدوحة، ولا تراجع عن مواقفها، ولا قبول بأي اتهام للدوحة بالإرهاب، أو استعداد لتنفيذ ما سبق وأن التزمت به من أنها لن تسيء إلى علاقاتها مع جيرانها بدعمها للإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة.
* *
لقد أصبح الموقف القطري واضحاً، معتمداً على تحريض من قوى خارجية، ووعود بدعم السياسة القطرية المعادية لأشقائها بكل ما تتطلبه التطورات من تصعيد بينها وبين جيرانها، وهو دعم تفهمه قطر على أنه مساندة يقويها أمام الدول الأربع، وتفهمه الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر على أنه توريط للدوحة بالتهرب من مسؤولياتها، وإشغالها بما لا مصلحة لها فيه، ووضعها على فوهة بركان من عدم الاستقرار، ودون أن يفكر شيوخ قطر بهذه المؤامرة القذرة، وما يمكن أن تلحقه من ضرر على قطر، بينما لا تزال الفرص الذهبية متاحة لها للخروج من هذا المأزق بالتفاهم مع الدول الشقيقة، والتخلي عن كل الأوهام التي قادتها لتأخذ هذه المواقف غير الودية التي جعلتها بهذه الصورة المشوهة، وهذا الموقف غير الودية المذل.
* *
نعم، لدى قطر قاعدة عسكرية أمريكية، وأخرى قاعدة عسكرية تركية، وربما في الطريق قاعدة عسكرية ثالثة لإيران أو إسرائيل، ولتنظيم الإخوان المسلمين تواجد قوي في الدوحة، ومثله تنظيم حماس وحزب الله والحوثي وكل التنظيمات الإرهابية الأخرى، وعندها أيضاً قناة الجزيرة ببرامجها وأخبارها المحرّضة على الإرهاب، غير أن كل هؤلاء لا يساوون شيئاً أمام توتر العلاقات مع كل من المملكة والإمارات والبحرين ومصر، وكل هؤلاء بلا قيمة أو أهمية، إذا ظلت الدول العربية تقاطع قطر، ولا تتعاون معها، كما هو حالها الآن، فهل فكر شيوخ قطر بما سيكون عليه حال البلاد في المستقبل مع استمرار إقفال الحدود، وقطع العلاقات، وإيقاف أي تعاون بينها وبين الدول الأربع، وما الذي سيفعلونه، أو يتصرفون على أساسه، فيما لو استمرت المقاطعة أشهراً أخرى، أو سنوات قادمة، وكلها مدداً متوقعة، وحسم أمرها بيد القطريين لا غيرهم.
* *
لقد لاحظنا تأثير المقاطعة، وإقفال الأجواء والحدود على حركة النشاط الاقتصادي في قطر، وظهور أصوات قطرية تتحدث عن أزمات في البلاد، حيث هناك شبه شلل في حركة المطار، والأسواق، وبات كل شيء متوقفاً، بعد أن كانت البلاد تعج بالحركة والنشاط، وتبدو آنذاك وكأن ما يجري فيها أكبر من حجم الدولة وسكانها محدودي العدد، فإذا بها بين ليلة وأخرى تتوقف فيها الحياة، وتصاب بالانكماش والهدوء وعدم الحركة في كل شيء، فالتجارة وحركة البيع والشراء وسوق المال في أسوأ وضع تمر به قطر، ومطارها بلا نشاط أو حركة طيران من وإلى الدوحة، كل ذلك بسبب السياسة الغريبة التي تنتهجها قطر، وإصرارها على الاستمرار فيها، دون أن تعترف بما تقترفه من جرائم بحق جيرانها، أو أن تبدي استعدادها لمعالجة ما هو موضع إدانة لها في هذا الشأن.
* *
إن لقطر الحق في أن يكون لها طموح، حتى ولو جاء ذلك بأكبر من إمكانات الدولة ومن يتولون سدة الحكم فيها، لكن الطموح المبني على تصرفات حكيمة ونظرة صحيحة شيء، والأوهام المبالغ فيها، تلك التي تقوم على تخرصات لا يمكن تحقيقها حتى ولو بالمؤامرات شيء آخر، وقطر لديها أوهام، وتمني نفسها بما لا يمكن تحقيقه، وتسعى إلى الوصول إلى أهداف أكبر من حجمها، وتعتقد أن إيذاء الجار والشقيق بتطرفها وإرهابها يقوي من مكانتها، ويعوّض عن الشعور بالنقص الذي يعاني شيوخها منه، وهذه هي مشكلة قطر ومن يدير دفة الحكم فيها، وهذه هي مشكلة الدول الأربع مع دولة صغيرة تمارس بعقلية صغيرة إرهابها بمباركة ودعم العدو ضد الدول الشقيقة، حيث يتم استهداف أمنها واستقرارها، وهو ما لن تسمح به الدول الأربع، أو تقبل بأن يتم تحت أي ظرف ولأي سبب.
* *
نعم، لا نريد أن نكتب عن قطر وأزمتها المفتعلة ضد أشقائها، غير أن الدوحة هي من تجبر الجميع ليكون الحديث عن سلوكها، وتضطرهم لأن يكون هذا السلوك في قائمة خياراتهم للتعبير عن وجهات نظرهم، نظراً لخطورة ما تتصرف به قطر على أمن المنطقة، وما يمثله دعمها للإرهاب من آثار مدمرة وفوضى غير مقبولة ونتائج لا يمكن القبول بها، فهل نحن فيما لو تركنا لقطر حريتها لأن تفعل ما تشاء، سوف تقفل ملف الإرهاب، وتضع حداً لتهديدها لجيرانها، وتعود إلى الصف العاقل وليس المجنون في إدارة الأزمات في منطقتنا!!، أم أنها بالتحريض ودعم الإرهاب تتصور أنها تكون في الموقف القوي الذي لا تستطيع الدول الأخرى أن تجاريها، أو تعترض على سياساتها، وهو - إن صح - تصور خاطئ لسياسي بليد، ونظرة قاصرة مصدرها جاهل بما يمكن أن ينتج عن موقف متهور كهذا.
* *
ليت شيوخ قطر يصغون، ولو هذه المرة للطرح الخليجي العاقل، ليتهم بصوتهم الواحد ينزلون إلى مستوى الأصوات الأربعة، تلك التي تؤجل تصويتها على أمل أن تتراجع الدوحة عن جنونها، ولو فعل شيوخ قطر ذلك لجنبوا المنطقة ودولنا وشعوبنا هول الأخطار المحدقة التي تُبيَّت لها، ولو فعلوا ذلك، واستجابوا لرأي الأكثرية لما فتحوا الباب لمن لهم أهداف عدوانية لتمزيق الوحدة الخليجية، وجعل منطقتنا مستباحة للتخريب وخلق الفوضى وإثارة النعرات وجعل شعوبنا في صراع مماثل لما تعانيه كثير من الدول التي سمحت للعدو بثغرة للتسلل منها إلى حيث مصالح هذه الدول، وعندما صحت على جرائمه كان الوقت قد فات، وأصبحت التطورات خارج السيطرة، وهذا ما نخافه على قطر، ونخافه من قطر.
* *
وليت شيوخ قطر يفكرون جيداً بما آل إليه الوضع في قطر بعد قطع العلاقات معها، وماذا أفاد قطر تضامن طهران وأنقرة معها، وما الذي ستكسبه من طرق أبواب الدول الكبرى تشتكي حالها أحياناً، وتتباهى أحياناً أخرى، وتدعي المظلومية في مرات أخرى، وما هو الفرق بين أن تسلم أمرها للغريب، أو أن تسلم للشقيق الصديق، ليتها فكرت بذلك، فلو فعلت ما طلبه الأشقاء منها، لما كان حالها كما هو اليوم، ولوجدت نفسها في عز وكرامة ومكانة عالية بدعم الأشقاء وبمظلتهم، لكنها - مع شديد الأسف- اختارت الطريق الخطأ، وفضلت التعامل مع العدو بما وضعها في مأزق لن تنجو منه إلا بالرجوع إلى لحمتها الخيلجية وانتمائها لمن يجمعها بهم قواسم مشتركة كثيرة.
* *
نعم، ليت شيوخ قطر حمد وتميم وحمد يعيدون التفكير الصحيح بمواقفهم، وأن يتخلوا عن كبريائهم وغرورهم وحساباتهم الخاطئة، فالتاريخ لا يرحم، والشعوب المقهورة لا تتحمل إلى الأبد، وقطر تعاني كثيراً من السياسات المتهورة، والشعب القطري الشقيق تحمل نزوات شيوخهم بما لا طاقة له أن يتحمل أكثر، وبالتالي فالمطلوب من الشيخ تميم - إن كان يمسك بزمام السلطة فعلاً- أن يعكف على مراجعة السياسات القطرية، فما فعله والده من مؤامرات يندى لها الجبين يجب أن تتوقف، وأن الممارسات التي تسيء إلى اسم وسمعة قطر يجب هي الأخرى ألا يكون لها وجود، فلم تعد مع ثورة الاتصالات والتقنيات العالية مثل تلك الممارسات يمكن إخفاؤها أو التستر عليها، مثلما كان الشيخ حمد بن خليفة يتصور، فإذا بها تتداول على نطاق واسع، ما جعل قطر تبدو أكبر داعمة للإرهاب والتطرف، فلعلنا نسمع قريباً، وقبل فوات الأوان، من تميم ما يحسّن صورة قطر، ويغيب المآسي التي تبنتها، بالعمل المخلص والتعاون الصادق والقبول بتنفيذ الالتزامات والتعهدات التي وقع عليها.