إن فقد المخلصين الأوفياء العاملين في خدمة بلادهم وأهليهم من أمثال المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز آل سعود نائب وزير الدفاع الأسبق - رحمه الله- ليؤثر في النفس ويؤلمها.. ولكن لا راد لقضاء الله وحكمته.. فقد آلمنا جميعاً شديد الألم نبأ وفاة سموه - رحمه الله- ولقد شغل خبر وفاته الساحات الإعلامية لتبادل التعازي كتعبير صادق عن حالة الحزن العميق التي شعر بها أبناء الوطن جميعاً في وفاة الفقيد الغالي الكريم، الذي قدم لدينه وملكه ووطنه خدمات جليلة طيلة مسيرة عطاء مثمرة بلغت 29 عاماً كان خلالها نعم الأمير الوفي والمسؤول المخلص لدينه وملكه ووطنه.
ولد الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز في عام 1931 في الرياض وبعد أن أتم دراسته في السعودية حتى المرحلة الثانوية وإعطاء برنامج خاص لتأهيل الطلبة للالتحاق بالكليات العسكرية التحق بالكلية العسكرية في سان دييغو، وبعدها التحق بكلية الاقتصاد التابعة لجامعة كاليفورنيا، وعمل الأمير عبد الرحمن بعد تخرجه من الاختصاصين العسكري والاقتصادي في القطاع الخاص عبر تأسيس نشاطه التجاري والاستثماري الخاص به.
رحم الله سمو الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز، رمز المروءة والكرم والعطاء.. صاحب السيرة العطرة والمسيرة المضيئة بإنجازات تتحدث عن نفسها، سواء في المشاركة الفعّالة مع أخيه سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد وزير الدفاع آنذاك - رحمه الله- في جعل القوات المسلحة السعودية قوة لا يستهان بها.. أو في مجالات البر والخير والمشروعات الخيرية التي لا تحصى والتي أسهم فيها سموه بنصيب وافر.
عُرف الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز - رحمه الله- بالتواضع الجم والشجاعة والمروءة، حيث كان للفقيد الكريم بصمات واضحة قبل رحيله سيسجلها التاريخ بمداد من ذهب، ولا ينسى له الجميع مواقفه أثناء زيارته لجنودنا البواسل في ساحة المعركة أثناء حرب الخليج حينما أوصى الجيش السعودي باستبدال كلمة «اطلق» بكلمة «الله أكبر» أثناء إطلاقهم للقذائف من المدفعية، وهو مقطع فيديو تداوله الكثير والكثير من أبناء الشعب السعودي فور إعلان نبأ وفاته رحمه الله.
كان سموه ذائع الصيت بين الجنود والمعسكرات والنقاط الحدودية التي اعتاد الوجود فيها على الدوام، بما في ذلك أوقات الحروب، لا سيما في السنوات الأخيرة لتوليه المنصب إذ عانى فيها وزير الدفاع والطيران الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز رحمه الله صحياً.
ولا تقتصر شهرة الأمير عبد الرحمن العسكرية على جنوده فقط فقد كان رجل الحرب الأول في عام 2009 عندما تصدى جنود المملكة الذين خاضوا حرباً شرسة ضد جماعة الحوثيين اليمنية آنذاك، وأجبروهم على الابتعاد عن حدود المملكة وتحييد خطرهم.
نعم، إن الموت حق علينا جميعاً، وإن اختلفت حياة كل منا عن الآخر، ولكن هناك العزيز الذي يفتقده الكثيرون من حوله، ذلك الذي يرحل عن حياتنا ويترك آثاراً طيبة وأعمالاً خيرية ستبقى ذكراه حاضرة فيها حتى بعد مماته، هكذا نحسب الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز، والله حسيبه، فللفقيد أعماله الخيرية الجليلة التي كان يقدمها في السر والعلن؛ كحفر الآبار وبناء المساجد والمساهمات الكبيرة في الأعمال الخيرية وكفالة المحتاجين، ولا يقتصر ذلك على منطقة دون أخرى من مناطق المملكة.. جزاه الله خيراً عما قدَّم ورحمه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
فمن المواقف الإنسانية التي قام بها سموه ولم يطلع عليها أحد ودون الإعلان عنها إعلاميًا. كنت شاهداً عليها بحكم عملي كمدير للمكتب الخاص لسموه فقد عرف سموه ذات يوم عن طريق خبر بجريدة الرياض أن مواطناً مسجوناً توقف الإفراج عنه لتسديد دين عليه بسبب حادث مروري، فاتصل الأمير عبد الرحمن على مندوب الجريدة بالأحساء صالح المحيسن وسأله: هل خروجه من السجن متوقف على سداد الدين فقط؟ قال: من معي؟ قال سمو الأمير: فاعل خير.. وأجاب صالح على سؤال الأمير، فسدد سموه كامل مبالغ الديات.. ليتم الإفراج عنه فوراً.
ومن تلك المواقف الإنسانية غير المعلن عنها أيضاً لسموه تحقيق أمنية امرأة معمرة بالأحساء التي أهداها سيارة خاصة..
ومنها أيضاً.. تكفل سموه ببناء مبنى وكافة تجهزاته لجمعية إنسانية بالمدينة العسكرية بالمنطقة الشمالية الغربية بتبوك، حيث كان مطلبهم بخطاب لسموه يطلبون أمره على جهة الاختصاص ببناء المبنى، فسدد سموه كامل تكلفة المبنى من حسابه الخاص.
وكذلك من مشاريع سموه التي تكفل بها بوادي الدواسر إنشاء سموه طريق مزدوج من وادي الدواسر الى مشروع آبار الرحمانية والرحمانية لسقيا البادية بطول أربعين كيلو متراً، وأيضاً شرق طريق هبي بالهضب..
وحين انتشار نفوق الإبل بالمملكة وجه يرحمه الله بتعويض أصحاب الإبل النافقة وتوصيلها لهم في مواقعهم.
وأيضاً تسديد سموه لكثير من ديون المحتاجين.. ورفض سموه الشديد أن يتكلموا بها أو إعلانها أو حتى يشكروه عليها، وغير ذلك الكثير من المواقف جزاه الله بها خير الجزاء وأوفاه.
ولا يسعني في الختام إلا أن أتقدم بأصدق التعازي لولاة أمر هذه البلاد والأسرة المالكة الكريمة، ولمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ولسمو ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله- في وفاة سمو الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز.. رحمه الله وجعل مثواه الفردوس الأعلى مع الشهداء والصالحين.. وحفظ الله بلادنا وأدام علينا أمننا وأماننا.
سعد بن محمد الرشود - مدير عام المكتب الخاص لسموه