م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
لماذا اختلفت النظرة أو الانطباع العام تجاه القناة الفضائية الأمريكية (الحرة) عن نظيرتها الفضائية البريطانية (بي بي سي)؟.. فالانطباع العام السائد لدى العرب عن (الحرة) الأمريكية ملوَّث بسوء الظن.. ومُحَمَّل بتهمة العمالة للعاملين فيها من العرب وتهمة التآمر لصالح أصحابها الأمريكان.. أما الانطباع العام عن (بي بي سي) البريطانية فهو مزدان بالثقة ويحظى بالقبول نتيجة اكتسابه صفة العراقة التاريخية.. فصورتها أنها مثال للحرفية والموضوعية ذات القيم التحريرية العالية.. مما أكسبها الاحترام الكبير وأكسب العاملين فيها من العرب التقدير على أساس أنهم نخبة شَرُفت بالعمل في إذاعة وفضائية حازت الاحترام والثقة بالوراثة.. ثقة ورثتها الفضائية عن الإذاعة.. وثقة ورثها المستمع العربي اليوم عن أبيه عن جده مستمعي الأمس.
وإذا كانت الفضائية الأمريكية (الحرة) قد نشطت إبان الاحتلال الأمريكي للعراق.. فكذلك الإذاعة البريطانية كانت انطلاقتها إبان احتلال وانتداب بريطانيا لأكثر من بلد عربي.. إذاً لماذا كره العرب (الحرة) صوت المحتل اليوم وأحبوا (البي بي سي) صوت المحتل بالأمس؟.. هل السبب نجاح البريطانيين في صناعة صورة جيدة لأنفسهم بعكس الأمريكان؟.. أم أن الفضاء العربي آنذاك كان فارغاً تماماً ودون منافسة فاحتلتها بالكامل (البي بي سي) وهي الميزة التي لم تحصل عليها (الحرة) اليوم؟.. أم أن ثقافة العربي اليوم تختلف عنه بالأمس؟.. على أساس أن عربي الأمس كان من جيل الاحتلال والنكبة والنكسة.. بينما عربي اليوم من جيل المقاومة والرفض.. مقاومة للعدو والرفض للآخر والتشكك بالحليف وجلد النفس.. والغريب أن هذا العربي لا يزال يرى في (البي بي سي) محطة ثقة ومصداقية أكثر من محطة (الحرة) أو محطات بلاده أو المحطات العربية الشقيقة الأخرى.
هل ستنجح (الحرة) في تصحيح صورتها أم تستمر في نظر الرأي العام العربي محطة المتآمرين في الفضاء العربي؟.. وهل ستستمر (البي بي سي) في حيازتها للثقة العربية أم أنها سوف تسقط في وحل الشك وتهم التآمر وتسحب معها مصداقية الإذاعة التاريخية وتسقطهما معاً؟
هل ستخالف (الحرة) الانطباع القائم عنها وتنجح في أن تصل إلى درجات غير مسبوقة من المصداقية فتكون صوت الصدق والثقة في الوجدان العربي؟.. وحتى يحصل هذا ما الذي يمكن أن تصنعه (الحرة) حتى تتحول إلى ذلك الصوت الذي يعبر عن ضمير أمة نظرت لها في بدايتها على أنها صوت العدو؟