عبده الأسمري
ودعه الوطن بقلوب راضية بالقضاء... واستودع أهله وأحبابه بروح نابضة بالعطاء.. انتقل للرفيق الأعلى.. وخلف وراءه رفقة درب ومرافقة مسؤولية عامرة بالسخاء.. غامرة بالعطاء.
ابن مؤسس.. شقيق ملوك.. صديق أمراء.. سديد رأي.. عضيد قيادة.. مديد فكر.. قيادي بتوقيع عسكري.. وريادي بوقائع إستراتيجي..
إنه نائب وزير الدفاع الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- صاحب الصولات والجولات والبطولات في ساحات الحرب ومجالات صناعة القرار واتجاهات الاستقرار الوطني.
بوجه تسكنه علامات الهدوء وسمات الاتزان وسكنات الإتقان.. وملامح ملكية مفعمة بالسكون تشبه والده ملمحا ومطمحا وتتشابه مع إخوانه وأخواله آل السديري صفاتا وسماتا.. وصوت أميري فاخر تنطلق منه منهجية عسكرية وملحمة توجيهية تتخلله عبارات حكمة وتوشحه اعتبارات حنكة.. وخطاب جهوري حماسي في ميادين القوات المسلحة.. وأحاديث ودية في اللقاءات الأسرية ودودة في الاجتماعات الأخوية يطل الأمير عبدالرحمن رمزًا وطنيًا من رموز القيادة وعزًا قياديًا فريدًا.
كان الأمير عبدالرحمن شابا يافعا يراقب من نافذة قصر والده أسراب الطائرات وكان يشاهد من منصات المناسبات باعتزاز العروض العسكرية البشرية والآلية فنما في فكره حب القطاع العسكري وعشق الطيران.. وكان يستمع ليلاً لأحاديث السياسة ولقاءات الحكم.. تربى بين أشقائه الملك فهد والأمير سلطان والأمير نايف والأمير تركي الثاني -رحمهم الله- والملك سلمان والأمير أحمد وكان مهتمًا بالقراءة والاطلاع والبحث منذ صغره فظل ملازما لوالده لسنوات ناهلا من مناهج السمو ومنهجيات الوطنية.
كل هذه المقومات من الدافعية والمقامات من التربية الملكية حفزت الأمير عبدالرحمن فالتحق بعد وفاة والده بفترة بإحدى المدارس التي تعني بتدريس المقررات الثانوية في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية وأخذ برنامجاً خاصاً لتأهيل الطلبة للالتحاق بالكليات العسكرية، ولحبه للعمل العسكري التحق بعد ذلك بالكلية العسكرية في سان دييغو، ثم التحق بكلية الاقتصاد التابعة لجامعة كاليفورنيا.
قدم لأرض الوطن وأسس أعماله الخاصة التي وظف فيها خبرته ومهاراته يساعده في ذلك أولاده حتى دخل العمل السياسي عام 1403هـ عندما أصدر الملك فهد أمرًا ملكيا بتعيينه نائبًا لوزير الدفاع والطيران. وظل في المنصب يقدم العطاءات والإنجازات حتى 9 ذو الحجة 1432.
في خميس مشيط ونجران وجازان والخرج وتبوك وحفر الباطن وأينما كانت القوات المسلحة كان هنالك موعد ومشهد وعهود وشهادات في مواسم الأعياد والزيارات التفقدية حينما يلتقي إخوته وأبناؤه من منسوبي القوات المسلحة يشاركهم أفراح العيد وينقل لهم تهاني القيادة ويؤنسهم بوجوده بينهم وتواجده معهم أخًا أكبر يتلقون من التوجيهات ويتسلحون منه الهمم ويقتبسون منه التشجيع.. في تلك المواقع العسكرية كان للأمير عبدالرحمن محافل إنسانية ودروس عسكرية لا تزال موثقة تحت توقيعه في سجلات الزيارات ومواقع الشرف التي وضع فيها أحجار أساس لمشاريع الدفاع وأركان تأسيس لمصانع الرجال.
في الاتجاهات الأربعة من الوطن وفي آفاق وزارة الدفاع كان الأمير عبدالرحمن موجها برداء مسؤول ووجيهًا بحلة أمير وأخا وصديقا للعسكريين الذين كانوا يتعلمون من أحاديثه الأخوية وتواضع شخصه ومواضع قلمه في قرارات وعلاقات دولية كبرى في التسليح والدعم العسكري وسجل نجاحاته في تطوير المجال الحربي في شتى أفرع القوات المسلحة.
في ليالي نجد ونهاراتها جال فيها طفلًا وصال خلالها بطلاً ورجلاً من رجال الدولة الأوفياء فخلف وراءه مجدًا من أمجاد الشخصية وعهدًا من عهود المسؤولية على السمع والطاعة قضاه في خدمة دينه ووطنه وساند فيها أخوته من الملوك رافقهم وصادقهم شقيقا وأخا وصاحب شور ومالك رؤية.
في الرياض كان الأمير عبدالرحمن طيلة حياته وجه من وجوه الألفة الملكية رفيقا للملوك من أخوته صديقا للأمراء من الأقارب.. ركن من أركان العائلة المالكة مشاركا في السراء والضراء مشتركا في القرار والاعتبار قريبًا من المراجعين متقاربًا مع الموظفين.. محبًا للخير مودّا للغير..
توفي الأمير عبدالرحمن رحمه الله الخميس الماضي عن عمر ناهز 86 عاما تاركا خلفه ذكرى خير وذاكرة وفاء وقيمة نماء.. بعد ثلاثة عقود قضاها في العمل الحكومي وسنوات من السخاء الوطني.