لبنى الخميس
معظمنا مضى في مراحل قد تكون امتدت لأيام أو سنوات اعتقدنا فيها بأن سعادتنا قد انتهت بسبب انتهاء مرحلة من حياتنا أو ضياع حلم أو رحيل شخص. هذا الحلم من الممكن أن يكون وظيفة أو شهادة أو ثروة، وقد يكون رحيل زوج أو ابن أو مدير أو صديق شاركناه أجمل أيام ولحظات حياتنا.
شعورنا بالرغبة لتحقيق إنجاز ما، والبقاء بجانب شخص معين، والحصول على شهادة محددة، قد يبدو مريحاً وآمناً في البداية ولكنه يتحول لاحقاً إلى تعلق مؤلم ومهلك، يعميك عن التمتع باللحظة واستشعار باقة النعم المحيطة فيك، ويبقيك في دائرة الاحتياج المفرغة لإيمانك في العمق أن سعادتك تختزل بهذا الأمر فقط. ما يجعلك تتحدث وتتصرف وترسل ذبذبات لنفسك والآخرين والكون بأنك لن تكون سعيداً أو راضياً أو مرتاحاً دون الحصول على ما أنت متعلق به.
كأن تقول مثلاً لن أكون ناجحاً وظيفياً إلا إذا تخرجت من هارفارد، ولن أشعر بالثراء قبل أن أجمع مليون ريال، ولن أشعر بالاكتفاء العاطفي إلا بعد الزواج، ولن أكون جذابة إلا إذا نحفت 10 كيلوات، ولن أشعر بالتقدير إلا بعد أن تعتذر فلانة أو تعترف بوجودي علانة..
ماذا يحدث في عقلك وحياتك أثناء تداولك هذه الأفكار؟ تبدأ بإصدار طاقة سلبية مزعجة وثقيلة، وتتحول فجأة من صانع لأهدافك وسيد لمشاعرك إلى عبد لها، لأنها ببساطة شديدة تمكنت من أن تسيطر عليك بدلاً من أن تسيطر عليها، وأصبحت سعادتك وراحتك ونجاحك مرهوناً بتحقق تلك الرغبة.
وإحدى النتائج السلبية لهذا التعلق هو تأخر تحقق أحلامك، لأنك أصبحت ضعيفاً أمام طاقتها القوية التي تتطلب منك يقيناً ونفساً حرة. بالإضافة إلى ضياع العديد من الفرص من بين يديك.. كونك مصاباً بعمى التعلق الذي يمنعك من مشاهدة الفرص وهي تناسب بين يديك.
قرأت مرة بأن الفرق بين الرغبة والتعلق هو أنك في التعلق (تفكر) فقط، بينما في الرغبة أنت (تفكر وتشعر) بمشاعر الهدف الذي تطمح لبلوغه. مثلاً، أنت تطمح بالحصول على مقعد في جامعة عريقة ومعلق نجاحك بهذه الشهادة.. في العمق أنت تشعر بالحرمان وعدم الرضى عن ذاتك وحياتك، بينما شخص يريد دخول الجامعة نفسها، ولكنه يشعر بشعور بالنجاح والرضا واستحقاق التميز وهو ساع تجاه الهدف وعامل بقانون حسن الظن.
والشيء نفسه يحدث للمتعلق بفكرة الثراء وهو يشعر بالفقر.. ومتعلق بفكرة الحب وهو يشعر بعدم الاستحقاق والاحتياج والحرمان. القدر يتفاعل مع مشاعرنا ويتماهى مع ظنوننا.. والله يكافئ المتفائل على حسن ظنه واستشعاره العادل بالنعم والعطايا الربانية المختلفة {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.
هناك عدد لا يحصى من الطرق التي يستطيع الله سبحانه وتعالى أن يسعدك من خلالها ويجعلك تتذوق نكهات الحب والنجاح والثراء فيها، إصرارك على شكل واحد ظالم لنفسك، الناجحون والسعداء لا يتوقفون طويلاً عن محطة واحدة أو تأخر تحقيق حلم، لأن في جعبتهم قائمة طويلة وجميلة، تأخر حلم قفز الثاني استعداداً لتحقيقه.