د.عبد الرحمن الحبيب
خسارة داعش لعاصمته الموصل هي تتويج لسلسلة الهزائم المتتالية التي يمنى بها هذا التنظيم، وهي وإن كانت متوقعة منذ اليوم الأول الذي احتل به الموصل قبل ثلاث سنوات، إلا أن التوقع الأصعب، ونحن على وشك دخول مرحلة جديدة، هو معرفة: ماذا بعد هزيمة داعش؟
وإذا كانت الإجابة على هذا السؤال متوفرة في الإعلام العربي، فمن المفيد التعرف على إجابة قادة الفكر السياسي الغربي، وعلى وجه الخصوص الأمريكي، نظراً لتأثيرهم في صناعة القرار. في لقاء الرئيس الأمريكي ترامب بالرئيس الفرنسي ماكرون في باريس الأسبوع الماضي بحثا الجهود المشتركة في محاربة الإرهاب وخاصة داعش في سوريا والعراق.. وقال ماكرون «الولايات المتحدة تتدخل بقوة في الحرب بالعراق، وأود تقديم الشكر للرئيس لما قدمته القوات الأمريكية في المنطقة.. اتفقنا على مواصلة عملنا المشترك، وتحديداً لوضع خريطة طريق ما بعد الحرب [على داعش]». وقد بالغت صحيفة التايمز البريطانية في افتتاحيتها يوم الجمعة الماضي، بوصف هذا اللقاء بأنه توطئة لـ «نظام عالمي جديد».
دورية «فورين بوليسي» الأمريكية استطلعت آراء خبراء سياسيين للرد على سؤال المقدمة في تقرير مطول، وهنا خلاصته: إليوت أبرامز أستاذ دراسات الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية (سيصدر كتابه الجديد، «الواقعية والديمقراطية: السياسة الخارجية الأمريكية بعد الربيع العربي»، في سبتمبر)، يقول: «إنّ هزيمة داعش ك «دولة» ستترك سؤالين جادين يواجهان أمريكا. الأول هو: من سيملأ المساحات التي تحكمها الجماعة الجهادية؟ الإجابة هي: التحالف الجديد لإيران وحزب الله مع روسيا. لذا، يجب على أمريكا رفض ذلك، لأنه يعزز وجود تحالف معادٍ لأمريكا، ويهدد المنطقة، ويترك لإيران نفوذاً مهيمناً على معظم أنحاء المنطقة.. يجب مقاومة ذلك فعلياً وليس كلاماً، من خلال استخدام القوة من قِبل ائتلاف تقوم أمريكا ببنائه وقيادته. يلي ذلك محادثات مع الروس الذي سيحترمون القوة الأمريكية على الأرض وليس على الورق..
ولكنه ينبه إلى أنه حتى في أفضل السيناريوهات، مع هزيمة داعش وعدم وجود «دولة» له، قد يستمر في الوجود كمجموعة إرهابية. على أي حال، فالقاعدة والجماعات الجهادية الأخرى لن تختفي. لذا، السؤال الثاني هو: كيف يمكننا المضي قدماً لمواجهة الجماعات الجهادية التي تعمل ضد أمريكا؟ من الواضح أن سيطرة الجماعات الشيعية على المنطقة سوف تساعد على تغذية الجماعات الجهادية السنية. إن هزيمة داعش لن تنهي مشاركتنا في صراعات الشرق الأوسط، بل قد تؤدي لزيادته طالما أن إيران تحاول السيطرة على المنطقة.
على خلاف ذلك، روبرت مالي الذي يمثل وجهة نظر الإدارة الأمريكية السابقة وكان مستشاراً لأوباما ومساعداً خاصاً له، يرى أن الحرب ضد داعش لم تكن الشاغل الرئيسي لمعظم حلفاء أمريكا، مثلاً تركيا كان موضوع الأكراد له الأولوية.. وسيتم إغراء إدارة ترامب وتوريطه بمزيد من التدخل، لكنه سيكون رهاناً خاسراً. الأفضل لتأمين مصالح أمريكا بعد هزيمة داعش، لا يتمثل بالانضمام للصراعات التي تطلق العنان للفوضى والطائفية، بل بتهدئة الحروب بالوكالة، وتخفيف حدة التوترات بين دول المنطقة والوساطة في ذلك.
لكن هذا الرأي لا يشاركه أغلب المحللين الأمريكان، فنوح بونسي (كبير محللي السياسة في سوريا في منظمة «مجموعة الأزمات الدولية» لمنع الصراعات)، يرى أن الإجابة تتوقف على الطريقة التي تزن بها إدارة الرئيس ترامب أربع أولويات متنافسة: التقليل من الالتزامات في الخارج، وإصلاح تحالفها المتوتر مع تركيا، ومكافحة عودة الجماعات الجهادية، ومواجهة النفوذ الإيراني. ذلك يعتمد على استعداد أمريكا لتمديد دورها بعد هزيمة داعش لمنع عودة الجهاديين.. وإذا كانت واشنطن تهدف للحفاظ على النفوذ في سوريا لمواجهة طهران مع تجنب المواجهة المباشرة، فقد ترى القيمة في مواصلة استثمارها في وحدات حماية الشعب الكردية لأنها ستواجه النفوذ الإيراني.
مشابه لذلك، ما طرحه أستاذ التاريخ بجامعة أوهايو، عمرو العزم، الذي يرى أنه مع فقدان داعش للأرض، من المحتمل أن تتواجه القوات الأمريكية والإيرانية ضد بعضها في سوريا.. وأن جراح سوريا المتأججة والتوترات الطائفية والعرقية ستثير الشرارات الجهادية، مما يسمح في نهاية المطاف بإعادة شحن نسخة معدّلة من داعش لتعود مجدداً في كل من سوريا والعراق.
أما الدكتور كول بونزيل من جامعة برينستون ومؤلف كتاب «من دولة ورقة إلى الخلافة: ايدولوجية الدولة الإسلامية»، فيرى أن خسارة داعش قد تُقوي تنظيم القاعدة أو تسعى إلى التقارب مع داعش ومع تنظيمات جهادية أخرى.. في كل الأحوال فإن داعش، الذي كان موجوداً بشكل أو بآخر منذ عام 2006، سيبقى.
أخيراً، رناد منصور (شاثام هاوس)، مؤلف بحث «العراق بعد سقوط داعش»، يرى أن هزيمة داعش هي مجرد بداية للصراعات على السلطة بالعراق. ولكي يتمكن العراق من مواجهة هذه التحديات، يجب عليه تعزيز مؤسسات الدولة لمكافحة قوة الجهات العنيفة غير الحكومية والتوصل لفهم جديد لتقاسم السلطة. وعندها فقط يمكن للدولة معالجة الأسباب الجذرية لظهور داعش، والعمل على ترجمة الانتصارات العسكرية الحالية إلى تسويات سياسية طويلة الأجل، وضمان ألا يكون العراق موجهاً إلى جولة أخرى من الصراع.