ياسر صالح البهيجان
موقف الحكومة القطرية من مطالب الدول الخليجية ومصر المشروعة أظهر بوضوح رغبة الدوحة في تصعيد الأزمة، ابتداءً بمماطلتها في الردّ وتجاوزها للمهلة المحددة بـ10 أيام، وليس انتهاء برد أجوف لم يحمل أي دلالة إيجابية، وجسّد بحماقة المثل القائل تمخض الجبل فولد فارًا أو ربما لم يلد شيئًا.
سياسة الحكومة القطرية وطريقة تعاطيها مع مطالب أشقائها يكشف عن غياب اللياقة في التعامل السياسي، ومنذ الأيام الأولى قامت بتسريب خطاب المطالب لوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، ما يعني خرقها للأعراف والقيم التي عادة ما تتحلى بها الدول عند خوضها لمرحلة التفاوض والحوار في الأزمات، ولعل هذا السلوك كان دلالة واضحة على اتجاه الدوحة نحو رفض أي حلول بالرغم من أنها الطرف الأضعف في المعادلة، وقد كانت بأمس الحاجة للإبقاء ولو على بصيص من الأمل لتنجو من تبعات سياساتها الهوجاء التي ستجعلها دولة معزولة عن محيطها الخليجي والعربي.
برفضها للمطالب، بحثت الدوحة عن انتصار وهميّ لتخفي سوأة أفعالها، ولتبدو بمظهر متماسك أمام المجتمع الدولي، لكن تحركاتها على الأرض أظهرت هشاشتها واستشعارها لضعفها، منذ أن بادرت بحشد قوات تركيّة على أراضيها، وإعلانها المباشر عن تقاربها مع طهران عبر اتصالات هاتفيّة بين الطرفين، إضافة إلى شرائها أدوات لتفريق المظاهرات من شركة برازيلية لمواجهة أي احتجاج شعبي محتمل، وهذه السلوكيّات دلالة على حجم القلق المسيطر على الحكومة القطرية، وأن مجرد إعلان المقاطعة مثّل كابوسًا مرعبًا لصنّاع القرار لديها، رغم عدم وجود بوادر تهديد باستعمال القوّة العسكريّة.
ما دام الرعب بلغ بالدوحة إلى هذه المرحلة، كان الأولى التخلي عن سياسة المكابرة، والاتجاه نحو رأب الصدع، وتلبية مطالب دول الجوار المشروعة، لأن الخطوات الجديدة المنتظرة من حكومات السعودية والإمارات والبحرين ومصر من شأنها أن تؤلم الحكومة القطرية لدرجة يصعب احتمالها، وعندها سيُفرض عليها التخلي عن سياستها العدوانية بقوّة القانون الدولي، وليس باختيار منها.
خطوة المقاطعة فضحت ضعف الدبلوماسية القطرية، وأكَّدت بأنها عاجزة عن الصمود طويلاً أمام دبلوماسية دول الجوار، واستمرار أمد الأزمة سيُفقد الدوحة تدريجيًا مزيدًا من الحلفاء، وعزلها لن يقتصر على محيطها الخليجي، بل سيمتد على المستويين الإقليمي والدولي، وحينها ستبحث عن المصالحة مرغمة حتى وإن كان ذلك بعيدًا عن الأضواء لكي تحفظ ماء وجهها.
الحقيقة تؤكّد بأن صنّاع القرار في قطر فشلوا حتى هذه اللحظة في قراءة المشهد الراهن، ولم يمنحوا الموقف حقّه من التحليل والدراسة. والمواصلة في ضعف إدراك ما يجري سينتج تحولات كبرى ستشهدها الدوحة في المرحلة المقبلة، وثمة تغيرات جذرية تفرض واقعًا جديدًا لا يسمح بالاستدراك والتراجع.