فقدت بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية في يوم الخميس 19 من شهر شوال 1438هـ رجلاً قدم خلاصة فكره وجهده في خدمة بلادنا. صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع السابق وإنني انتهز الفرصة في هذا المقام الأليم لأتقدم بأحر التعازي وخالص المواساة لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية أدامه الله وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظه الله-.
ولكافة أصحاب السمو الملكي الأمراء أبناء الفقيد وجميع أفراد الأسرة المالكة الكريمة سائلاً الله جلت قدرته أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ورضوانه.
لقد تعودنا في هذه البلاد العزيزة بأن يتسلم المسؤولية رجال من شجرة طيبة مثمرة بحمد الله ومنته ذات الأصل والجذور وهو الامتداد الطبيعي لشجرة هذه الأسرة الكريمة المتآزرة الذين حملوا الأمانة وسجل التاريخ أسماءهم بمداد من نور لما قدموه خدمة للإسلام والمسلمين ولبلاد الحرمين الشريفين كل حسب موقعه. ومن هؤلاء الرجال الأوفياء فقيدنا الغالي صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز الذي ما أن صدر الأمر السامي الكريم رقم 10 - 1 بتاريخ 16 - 1 - 1403هـ بتعيين سموه نائبًا لوزير الدفاع بمرتبة وزير إلا وبدأ المسيرة الظافرة بالمشاركة الإيجابية.
في بدء العصر الذهبي للقوات المسلحة السعودية ساعدًا أيمن وعضدًا لأخيه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام آنذاك.
رحم الله فقيدنا الغالي رحمة واسعة الذي قام بالاضطلاع بمسؤولياته في أهم مرحلة من مراحل تطور القوات المسلحة التي وصلت بعون الله سبحانه وتعالى واهتمام حكومتنا الرشيدة إلى ما وصلت إليه من تطور وازدهار لتكون الدرع الواقي الذي يحمي بلادنا المملكة العربية السعودية من طمع الطامعين وكيد الحاسدين إدراكًا منه غفر الله له بأهمية دور القوات المسلحة في تأكيد هيبة الدولة وإدراكه أيضًا بأن القوة العسكرية للمملكة لا بد أن تكون أيضًا على مستوى حجم المملكة ومكانتها الإسلامية والعربية والإقليمية والعالمية.
لقد أثبت أميرنا الراحل بأن اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - طيب الله ثراه- لسموه ليكون نائبًا لوزير الدفاع مثال لتحمل المسؤولية كما أثبت -رحمه الله- بأنه دعم للقوات المسلحة لا يقل عن دعمها بالسلاح من خلال ما قدم من عمل دؤوب للوصول بالقوات المسلحة إلى أرقى مستويات التدريب والتسليح والتقنية والجاهزية القتالية وإنني من موقع مسؤوليتي في ذلك الحين حينما كنت مديرًا عامًا لإدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة. لا أدعي بأنني كنت شاهدًا على العصر وإنما مدون لأحداث تاريخية لما بذله سموه من جهود مثمرة في بناء الجيش العربي السعودي بكافة قطاعاته وبحكم عملي فقد كنت شديد القرب منه ومرافقًا له في جميع جولاته ومهامه التي اضطلع بها ولقد قمت في ذلك الحين بتوثيق إنجازاته في كتاب أسميته (عطاء بلا حدود) رصدت فيه عطاءاته ومجهوداته -طيب الله ثراه-.
رحم الله صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن عبد العزيز الذي تميز في أسلوبه خلال تخاطبه المباشر لأبنائه رجال القوات المسلحة بتذكيره دومًا بالإيمان بالله والتمسك بتعاليم الإسلام ونصحه لأبنائه الجنود والضباط بالتمسك بشرع الله، حيث إن أي عمل لا يستند إلى شرع الله يعد نافقًا وغير مرغوب فيه، ولا بد من الأخذ والتمسك بشريعة الله لتحقيق خيري الدنيا والآخرة، وظهر ذلك جليًا في جميع زياراته وتفقداته لأبنائه في الميدان.
رحم الله فقيدنا الغالي الذي كان دائم الحرص على رفع الروح المعنوية لأبنائه الجنود وحثه المستمر على التدريب ورفع الكفاءة القتالية زيادة على ما لديهم من الأسلحة المتطورة التي يكون استخدامها من رجال مدربين بكفاءة رادعًا لكل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن واستقراره.
رحم الله الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز الذي كان شديد الثقة في الاعتماد على الله ثم على أبناء الوطن المخلصين، حيث كان دائم الحث للشباب على الالتحاق بالقوات المسلحة عن طريق المراكز والمدارس والمعاهد والكليات العسكرية. كما كان دائمًا ما يحث أبناءه الطلاب على الجد والمثابرة والاستعداد لثقته بأنهم أساس نهضة قواتنا المسلحة.
تسعة وعشرون عامًا وعشرة شهور وثلاثة أيام قضاها -رحمه الله- نائبًا لوزير الدفاع، كانت مكللة بعطاءات بلا حدود. كان همه البالغ، وشغله الشاغل البناء المادي والمعنوي، حرص خلالها حرصًا شديدًا على راحة الفرد في معيشته ومسكنه، وترقياته، وتدريباته، وسائر أعماله.
كان تواقًا للقاء أبنائه في الميادين ما بين معايدات لأبناء القوات المسلحة في كل المناطق تناوبًا مع أخيه الراحل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله-، وتشريفًا لتدشين الأسلحة، وبناء الأساطيل، والقواعد، والمدن العسكرية، وكذا مقرات الوحدات الميدانية وكان على رأسها افتتاح المبنى الجديد لوزارة الدفاع يوم السبت 24 شعبان 1406هـ.
كان الفقيد -رحمه الله- شديد الحرص على تفقد الوحدات العسكرية في جميع مناطق المملكة، كما شهد عديدًا من التمارين الميدانية المهمة مثل تمرين (جنود الإسلام) وتمرين (لهب النفوذ) وتمرين (سيف السلام) كما كان له دور مشهود في تفقد القوات المسلحة المشاركة في مواسم الحج لعدة أعوام وجه فيها النصائح والتعليمات للحفاظ على أمن ضيوف الرحمن.
شرّف سموه عديدًا من حفلات تخرج دفعات من كلية الملك عبد العزيز الحربية، كلية الملك فيصل الجوية، كلية الملك فهد البحرية، كلية الملك عبدالله للدفاع الجوي، ومعهد الدراسات الفنية بالظهران، معهد الدراسات البحرية بالدمام، المعهد الملكي للقوات البرية في القصيم، ومركز ومعهد قوات الدفاع الجوي بجدة، ومركز ومدرسة قوة الصواريخ الإستراتيجية.
كما كان لسموه -رحمه الله- مواقف مشرفة جدًا بتفقده لعدة مرات كافة القوات التي شاركت في حرب تحرير الكويت بجميع قطاعاتها ومواقعها، وأيضًا زيارته التاريخية للقوات السعودية التي دحرت العدوان الحوثي عن حدودنا الجنوبية في الحرب الأولى.
لقد كان للفقيد جهود مباركة في تنمية القطاع الصحي من خلال مشاركاته الفعالة في الندوات، والمؤتمرات والفعاليات الطبية التي نظمتها الإدارة العامة للخدمات الطبية للقوات المسلحة.
كما كانت على رأس أولوياته المشاركة في اللجان والمؤتمرات، والاجتماعات الخارجية التي مثل فيها المملكة نيابة عن أخيه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- خارج المملكة ويطول ذكرها. وللحق والتاريخ أقول هذا غيض من فيض، سردًا لجهود مباركة، وعمل دؤوب. سجل هذه الجهود بأحرف من ذهب عطاء بلا حدود، وبناء بلا كلل، نسأل الله العلي القدير أن يرحم فقيدنا الغالي رحمة واسعة وأن يجعل مثواه جنات النعيم وأن يجمعه ووالديه في الفردوس الأعلى، وأن يكتب ما قدمه من جهود خدمة لوطننا وللأمة الإسلامية في موازين أعماله الصالحات، وأن يعين من تولى المسيرة من بعده، وأن يحفظ لنا قيادتنا الرشيدة وعلى رأسها سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
** **
- اللواء الدكتور (م)/ إبراهيم بن محمد المالك