أعرِفُ أنَّكَ مُنهَكٌ، وأنا كذلك بل العالمُ كلُّه مُنهَكٌ، أعرِفُ أنّ الماضيَ يتسلَّل كسارقٍ للفرح في كلّ لحظة سعادة، وأعرِفُ أنّ الذكريات الأليمةَ لها سطوةٌ، فهي غالبًا ما تحتلُّ مساحة واسعة مِن ذاكرتك، وتنتشرُ كالسرطان؛ لتقنعكَ بأنّ حياتَكَ لم يكُنْ فيها سوى الألم.
أعرِفُ أنَّ الحاضر ليس كما تشاء، وأنّ يومَكَ يمُرُّ بمَلَل، وأنَّكَ تصحو غالبًا مُتثاقِلًا، فلا الحياةُ كما تمنّيتَ، ولا العمل كما رغبْتَ فيه.
أعرِفُ أنّ الأحلام تغيَّرَتْ، وأنّها أصبحَتْ أكثر واقعيّة، لم تعُدْ تحلم بتغيير الكون، ولا بأنْ تكون عَلَمًا مِن الأعلام، بل جلّ حلمِكَ أنْ تكونَ شخصًا عاديًّا.
وأعلَمُ بأنَّكَ تُحاول ملْءَ فراغِكَ بحيثُ لا تُفكِّر في أيٍّ مِمّا سبق، فتشغل نفسك في عمل روتينيّ، أو في جلسات أصدقاء، لا تُريد تركَ أيِّ ثُقْبٍ في يومِكَ لتتسلَّلَ منهُ ذكرى مُؤلمةٌ أو فكرةٌ مُحطّمةٌ.
ولكنِّي أعلَمُ أنّكَ ما زِلْتَ على قيد الحياة، ما زلْتَ تتنفَّس وتمشي وترى، ما زلْتَ مُحاطًا بالمُحبّينَ وإنْ تواجدَ الكارهون، لا زلْتَ تمْلِكُ الغد، فَتَبَصَّرْ، وتأمَّلْ، انظُرْ للصورة كاملةً، فما زالَ في الحياة أمل.
مل الحارثيّ - رئيسة تحرير موقع المجلة العربية للمرأة - الإمارات