سعيد الدحية الزهراني
في السابق كان البارود سيد أسلحة الفتك التي أنتجتها البشرية لتهلك نسلها.. أما اليوم فتستفيق البشرية على بارود الاتصالية الإلكترونية الجديد.. الذي ولّد الحرب الجديدة، وهي الحرب الالكترونية بمختلف توصيفاتها وتفريعاتها.. إلا أن أحدثها هي حروب مواقع التواصل الاجتماعي..
حرب مواقع التواصل الاجتماعي تكمن خطورتها في نوع الضحايا.. الضحية في هذا النوع من الحرب هي القناعة.. فحين تصوب الجهات المتقاتلة أعيرتها الفكرية مستهدفة قناعات الناس في أوطانهم وقدراتهم ومقدراتهم فهي إما أن تصيبها بجروح تسلب قواها، أو تشل حركتها، أو أن تقتلها بالكلية؛ وبالتالي تفقد أوطناها ولاءها؛ لتتحول إلى الولاء للعدو؛ تروج فكره، وتعاظم منجزه، وتقاتل في صفه؛ ما يعني زرع عنصر محارب داخل أرض العدو..
من خصائص حرب التواصل الاجتماعي الإلكتروني تعدد المستويات؛ إذ تبدأ بالأفراد، وتنتهي بالدول مروراً بالتكوينات والجماعات والتنظيمات.. وقد يدخل فيها جهات رسمية وعسكرية واستخباراتية، فيما قد يشعلها مجموعة أفراد بجهود فردية بحتة..
مؤخراً كشفت الأزمة القطرية عن حرب إلكترونية من نوع حروب مواقع التواصل الاجتماعي، شنتها قطر تجاه الدول العربية الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر).. ووفق ما كشفه المستشار بالديوان الملكي الأستاذ سعود القحطاني فقد تم حصر أكثر من 23 ألف حساب مصطنع على موقع تويتر، تهاجم الداخل السعودي بحسابات وهمية مصطنعة، وكان مصدر تلك الحسابات والأماكن التي تغرد منها (32% من قطر و28% من لبنان و24% من تركيا و12% من العراق)، وهي نسب دالّة من حيث الارتباط السياسي فيما بين قطر وإيران في كل من العراق وحزب الله في لبنان، فيما تعبّر النسبة في تركيا عن موقفها من الأزمة والاصطفاف مع قطر ودعمها العسكري لها..
هذا النوع من حروب مواقع التواصل الاجتماعي التي تقودها دولة، وهي هنا قطر، حيث استهدفت تضليل الرأي العام، وتزييف الحقائق، وقلب المعاني، مثلما حصل في مصطلح حصار بدلاً من مقاطعة، وإثارة البلابل وزعزعة المجتمعات.. لكن الذي حصل هو عكس ما خطط له جيش قطر الإلكتروني، ونقيض ما تمناه النظام الذي يدار بالوكالة والنيابة معاً.. ففي حروب مواقع التواصل الاجتماعي لا ينتصر المستأجرون.. الذي ينتصر هم أبناء الوطن..
حين شنت قطر حربها الإلكترونية بمن جيشته واستأجرته من مرتزقة إلكترونيين من مختلف الألوان والألسن والسحنات والهويات.. قابلها جيش الشعب السعودي بأكمله ففضح أماكن التغريد، وفكك خطاب النائحات المستأجرة، وتندّر بمن يضع صور القيادة القطرية باسم يوحي بالهوية الخليجية فيما تفضح المفردة المصرية أو الشامية مكان المنشأ ونوع العُملة..
حروب مواقع التواصل الاجتماعي من أخطر أنواع الحروب الالكترونية؛ لأنها تصوب نياشينها إلى عقول وقناعات وهويات عميقة.. عليك أن تدرس من تنوي محاربته عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنك قد تتسبب في صناعة مكاسب كبيرة لعدوك دون أن يكلفه ذلك شيئاً.. في حين تتكبد أنت الخسائر لتخرج من الميدان وأنت تجر الخيبة وذل الخسارة.. مثلما حصل مع قطر.