محمد عبد الرزاق القشعمي
بعد تصفحي لأعداد مجلة (المنهل) القديمة وجدت مقالات وبحوثاً وقصصاً وقصائد أدبية عديدة للفلالي ابتداءً من العدد الثالث للسنة الثانية من صدورها في شهر جمادى الأولى 1358هـ الموافق شهر مايو 1939م. وحتى عدد ربيع الآخر 1360هـ الموافق أبريل 1941م.
وكان يكتب مشاركاته من مكة المكرمة، ومن العدد التاسع والعاشر من السنة التاسعة والصادر بشهر رمضان وشوال 1368هـ الموافق يوليو وأغسطس 1949م. نجده ينشر قصيدة (بني وطني) من روضة القاهرة. يعقبها بقصيدة أخرى بعنوان (دمعة) في عدد ديسمبر 1949م. ثم أعقبه تعليق أو نقد لبحث سبق نشره لحامد دمنهوري تحت عنوان: (الشاعر الأمير)، وفي العدد السادس من السنة الحادية عشرة لشهر جمادى الآخرة 1370هـ مارس أبريل 1951م تنشر له المجلة – المنهل – كتابه النقدي (المرصاد) فعلى مدى أغلب صفحات العدد (1–48) تنشره المجلة كملحق منهل جمادى الآخرة 1370هـ للأستاذ إبراهيم هاشم فلالي من مصر.
هذا بالإضافة إلى مشاركته في استفتاء المجلة السنوي لأكثر من مرة. وإصداره لعدة كتب وأولها (رجالات الحجاز) والذي قدمه للقراء محمد حسن عواد بتاريخ 20-2-1356هـ وأعجب به عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بعد اطلاعه عليه فكتب لمؤلفه الفلالي مبدياً إعجابه وشكره قائلاً: «.. وقد أردت أن تكون لساناً عن ألسنة الحجاز في هذا العصر فوفقت إلى ما أردت توفيقاً حسناً، وإني لأحمد في كتابك هذه الحماسة الملتهبة وهذه العواطف المضطربة وأرى أنها ليست إلا قبساً من هذه الجذوة المقدسة التي تطهر وتذكي دون أن تحرق أو تؤذي. فامض في جهدك القيم مصاحباً وارفع صوت الحجاز موفقاً وأحي في نفوس العرب هذه الصلة القوية المقدسة بهذا الإقليم الحبيب المقدس الذي أشرق منه نور العلم والأدب والدين ... ».
لعل هذا الإعجاب الذي أبداه الدكتور طه حسين وما ذكره الدكتور إبراهيم الفوزان عند مقابلته – الفلالي – بالقاهرة، وما ذكره ابنه أسامة ضمن ترجمته لوالده المختصرة من أن آخر عمل له كان إدارته لمقصف بمدرسة منيل الروضة بالقاهرة، قد دفعني وشجعني على المزيد من الاطلاع على ما كتبه أو كتب عنه.
فبالعودة إلى كتاب (المرصاد) الذي أعاد نشره النادي الأدبي بالرياض عام 1400هـ بأجزائه الثلاثة، وأضاف إليه كملحق (مرصاد المرصاد) لعبدالله عبدالجبار، وكذا (نقد المرصاد) لحسن عبدالله قرشي.
والحقيقة أن المرصاد قد تناول بالنقد كثير من الأعمال الأدبية دون مجاملة لعدد من أدباء الرعيل الأول مثل: ضياء الدين رجب ومحمد حسن فقي وحسين سرحان وحسين عرب ومحمد حسن عواد وحسن قرشي وأحمد عبدالغفور عطار والزمخشري والسباعي والأنصاري وحمزة شحاته وعبدالله خطيب ومحمد سعيد العامودي ومحمد سرور الصبان وأحمد الغزاوي والآشي والعبدالجبار ومحمد عمر رفيع.
وقد علق عبدالله عبدالجبار على ذلك مؤكداً بأن الفلالي يسير على مبدأ عدم المجاملة في النقد الأدبي، ويدعو القارئ للتأكد من صحة هذه القاعدة ومدى انطباقها على الأدباء المنقودين وعلى الناقد نفسه.
«.. لأنه في نظري بعد طول مشاهدتي له على مسرحه هذا (المرصاد) لم يعد أن يكون أكثر من حاوٍ بارع وبهلوان كبير.. »، «.. إنه بهلوان – ولا شك – ولكنه بهلوان مخلص لمهنته أكثر من إخلاصه لما تدره عليه من كسب مادي أو نفع معنوي، بل ربما جر عليه إخلاصه لهذه البهلوانية ألواناً من المتاعب، وضروباً من المشاكل وعديداً من الخصوم... إنه قاس، ولكنه بعيد عن التبذل والشتم والسباب مما يحط برسالة النقد الحقيقية، وهو لذلك يعفو عن شانئيه وشاتميه، ويترفع عن أن يناقشهم الحساب... فحياك الله يا صاحب المرصاد، وحيا في شخصك المكافح البهلوان الحر الكريم.. » القاهرة 26-5-1371هـ - 22-2-1952م.
أما حسن قرشي فقد اختتم مقاله بقوله: «.. وبعد فإن (المرصاد) كتاب طريف جدير بالاقتناء! وأن من يقول: إن الفلالي تنقصه النزاهة وتخونه الصراحة فما أصاب.. ».
وقد أكد ذلك الفلالي نفسه عند مقابلته للدكتور إبراهيم الفوزان بالقاهرة عند إعداده لكتاب (الأدب الحجازي الحديث.. بين التقليد والتجديد) قائلاً: «.. والفلالي من المتضلعين بالثقافة العربية القديمة والحديثة إلى جانب إجادته اللغة الإنجليزية، وقد شهد له بالنبوغ في الأدب من صغره ونمى هذه الموهبة عندما أخذ يكتب الشعر والمقالات والقصص وينشرها على صفحات الجرائد والمجلات السعودية... نزح إلى القاهرة واستقر بها وكان على صلة بأدب وأدباء بلاده، وقد زرته في بيته المتواضع في شارع الفتح رقم 8 في الروضة بمصر وعرفت عنه كثيراً. ولكن تواضعه هو سر إغفاله ولولا ذلك لكانت مكانته مع الرواد الأوائل من أدباء العربية، وقد أخبرني أن له بمصر أكثر من ثلاثين عاماً، وأن سبب ذلك ظروفه الصحية وحبه للحركات الأدبية بمصر، وبعد قبولي بهذه المبررات وقولي له أن بلدك ب حاجة إليك بكى، وقال ألا تعلم أن بعدي بسبب جراءتي وصراحتي ولكل قدره، فهدأت من روعه وقلت له إن في بلادك قيادة واعية تقيل العثرات، وقال لي أعرف هذا أخيراً ولكن استقراري الطويل واتصالي بالنوادي الأدبية وكبر سني تجعلني أقول من هنا النهاية وقد حصل له ما توقع وودع الدنيا في عام 1394هـ بالقاهرة».
وقال عنه عبدالسلام الساسي في (الموسوعة الأدبية) «.. حر الضمير مترفع عن الدنايا، دمث الأخلاق، رقيق الشعور، شاعر موهوب، وكاتب حر جبار النقد والحجاج، وكثيراً ما يصور الآمه في شعره وسوانحه وأفكاره، وهو إلى جانب ذلك أديب قاص يتعشق الفن القصصي بأوسع معانيه وأجلى مظاهره.. ».
وقد اختار له عبدالقدوس الأنصاري في (الكتاب الفضي للمنهل) في 25 عاماً، قصيدة (دمعة) والتي سبق نشرها في المجلد العاشر. ومنها قوله:
أعيش يحفني الخطر
بي الأرزاء تأتمر
أمد إلى العلا خطوي
فيرجع خطوي القدر
كأني دمعة الأيا
م تذرفها فتنحدر
صمدت لكربتي فأبت
صروف الدهر تنحسر
إذا ذللت إحداها
أتتني بعدها زمر
أكافحها فيبدهني
كمين خلفها خطر
ولكن خانني حظي
ولم يسعدني الظفر
عجبت لماجد هزأت
بحسن بلائه الغير
فرد تعجبي أني
حديد عشت ينصهر
فهات الكأس يا ليلى
ففيها الأنس والخدر
فمدت كفها نحوي
بكأس ريحها عطر
كأن مدامها شهد
مرئ بارد خصر
وقد قالت لتسليتي
وخفف سورتي الخفر
وصوت ناعم حلو
وطرف زانه الحور:
«هي الأيام والغير
وأمر الله منتظر
أتيأس أن ترى فرَجاً
فأين الله والقدر؟»
ودنيا الناس لو فتشت
دنيا كلها عبر
فكم غيث من الأعصا
ر بين اللج ينهمر
وموج البحر يبلعه
فلا يبدو له أثر
وبعد المكث في الأعما
ق كم تبدو لنا درر
هذا وقد اعتادت مجلة (المنهل) على طرح (استفتاء السنة) على قرائها، وقد شارك الفلالي في استفتاء عام 1359هـ/ 1940م وعنوانه: (هل الحروب تطوي الحضارات أم تنشرها؟) وشارك معه كل من: صالح شطا وحمزة شحاته وأحمد رضا حوحو وعثمان حلمي ومحمد سعيد العامودي ومحمود عارف.
والاستفتاء الثاني في العام التالي (كيف ترسم برنامجاً عملياً قابلاً للتطبيق في رفع مستوانا الاقتصادي) وقد شارك معه عدد من الكتاب نذكر منهم: محمد حسن عواد وحسين سرحان ومحمود عارف ومحمد سعيد العامودي، وقد اعترضت الرقابة على بعض ما جاء في مشاركة الفلالي فنجد عبدالله عبدالجبار يقول في كتابه (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية) «.. وذات مرة اشترك الفلالي في استفتاء لمجلة المنهل عن الطريقة المثلى التي نحسن بها اقتصادنا – وكان ذلك قبل اكتشاف البترول – وكتب الفلالي في جوابه يقول ما فحواه «إنه يجب علينا أن ننظم أخذ الزكاة من الأغنياء وذلك بإجراء إحصاء دقيق متقن للثروات التي بأيدي الأغنياء، ونأخذ الزكاة الشرعية من كل صاحب ثروة ونضع المجموع في مشروع تجاري أو صناعي أو زراعي، وبذلك نشغل كثيراً من الأيدي العاطلة ولا نخشى على المشروع من الفشل، لأن الزكاة تؤخذ من الأغنياء على رأس كل عام وبذلك تمتد الثروة، وتتوالد المشروعات الصالحة بالنظر لمورد الزكاة الثابت في كل عام، والإسلام حينما فرض الزكاة ترك لنا حرية تنظيمها في كل عصر بما يناسبه، واستشهد بتنظيم الخليفة الثاني (عمر بن الخطاب) لبيت مال المسلمين في عصره، مع أن الأموال كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تجبى وتوزع في الحال وكذلك في زمن أبي بكر الصديق، ولكن تطور الزمن لم يمنع عمر بن الخطاب من مخالفة الطريقة القديمة وتنظيم الأمور بحسب ما تقتضيه المصلحة في الزمن الذي يعيش فيه الناس».
وعرض المقال على الرقابة فإذا بها تقول: «إن هذا الكاتب شيوعي، وهي لا تجيز نشر المقال» ثم أدخلت عليه تعديلات أو بالأصح تشويهات، فأصبح لا فكرة فيه ولما نشر المقال خيل لكل من قرأه أنه يقرأ كلاما غير مفهوم»(1).
ونختتم بما كتبه ابنه أسامة عن والده إبراهيم كتعريف له في كتاب المرصاد في طبعته الثالثة 1400هـ أنه ولد بمكة المكرمة عام 1324هـ.. درس بالمدرسة (الصولتية).. وكانت حياته العملية سلسلة من الوظائف والأعمال، عمل بمكة مدرساً ثم محاسباً للإسعاف الخيري، ثم قائماً بأعمال الدفاع عن فلسطين.. ثم عضواً في هيئة التمييز إلى جانب الطوافة.
ونجد عبدالله عبدالجبار ينشر له في (التيارات الأدبية..) ضمن شعراء التيار القومي قصيدة (يا أخا العرب) التي نظمها أثناء العدوان الثلاثي على مصر وأذيعت من صوة العرب:
أخي بالوحدة الكبرى
نعيش العمر أحرارا
ونجعل من مرابضنا
قلاعاً تنفث النارا
ونصنع من شبيبتنا
ليوم الثأر ثوارا
ونجلي عن أراضينا
أثيماً لوث الدارا
أقام بأرضنا زمنا
وأورث قومنا عارا
سنمحو العار لا نبقي
بأرض العرب أشرارا
ولا نبقي باسرائيل
بين العرب ديارا
فصهيون عرفناه
مدى الأيام غدارا
سنجليه بوحدتنا
ونجلي كل من جارا(2)
ولما انتقل إلى مصر افتتح دكان (عطار) فلم يصلح (العطار) حاله ولا حال ذويه فالتمس عملاً آخر، وكان أن عين مراقباً مساعداً بدار البعثات السعودية بمصر.. ثم تفرغ للأدب والبحث مستعيناً بأعمال صغيرة كادارة مقصف بمدرسة منيل الروضة، ثم بمعاش ضئيل وما كان يصله من مكة من إيرادات الوقف والطوافة. وقد ألف في التراجم والنقد والقصة والشعر عشرة كتب، وكتب أخرى مخطوطة لم تطبع.
..............
(1) عبدالله عبدالجبار – التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية، ط1، 1959م القاهرة: معهد الدراسات العربية العالمية جامعة الدول العربية، ص 201.
(2) التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية، عبدالله عبدالجبار، ط1، ص 355.